واحد، صحيح فِعْلُ حماد هذا يعد سابقًا، وتحتل (المفضليات) منزلة عظيمة بين دارسي الأدب ونقاده، وتعد مصدرًا مهمًا من مصادر الشعر العربي، وتكتسب تلك المكانة من أن مؤلفها كان محل ثقة معاصريه، وموضع احترامهم وتقديرهم، إذ لم يطعن أحد في أمانته على الإطلاق، أو يشكك في روايته، كما أنها أول مجموعة تصل إلينا كاملة دون أن يسقط منها شيء، أو يدخله تحريف أو تزييف.

(المفضليات) موثوقة الرواية، وأيضًا جمعت في بداية عصر التدوين، قبل أن ينتشر الانتحال في الشعر على يد حماد الراوية وغيره، فخلت من هذا، كما كانت (المفضليات) أيضًا بداية للتحول الفكري والنقدي فيما بعد، كثير من الناس أقبلوا عليها يشرحونها ويدرسونها دراسات متنوعة، يكشفون عن الخصائص الفنية فيها، ويوضحون ذوق الرجل في اختيارها، ومنهم من يكتشف الملامح البيئية، ومنهم من يكتشف الملامح الثقافية، ومنهم من يأخذ قوانين وقواعد لغوية نحوية وصرفية، ومنهم من ينظر إليها من الناحية البلاغية، وهكذا تعددت الدراسات حولها، وكان ذلك فتحًا عظيمًا.

أما المنهج الذي سلكه المفضل الضبي في جمع مختاراته هذه: فالحقيقة أنه اعتمد فيه على ذوقه الخاص أولًا، فمن هذه الناحية هي تمثل منهج الاختيار الانطباعي المرتجل، المعتمد على الذوق الشخصي، ومن ثم لم يفرق بين شاعر مشهور وآخر مغمور، كما اعتمد على الثقة في صاحب النص ثانيًا، وقد سيطر هذان المبدآن عليه حتى أنسياه ترتيب الشعراء تاريخيًا أو هجائيًا، أو حتى ترتيب القصائد حسب القوافي أو الغرض، بل ربما غلبه الإعجاب بالنص فلم يذكر قائله، فجاءت بعض الأشعار غير منسوبة أحيانًا.

ورغم ذلك فلو لم يصلنا من الشعر الجاهلي سوى هذه المجموعات الموثقة؛ لأمكن وصف تقاليده، ولغته وبيئته وعاداته، هذه حقيقة، فقد مثلت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015