أما عن (الجمهرة) فيعد هذا الكتاب أول كتاب يجمع فيه مؤلفه نماذج شعرية بطريقة علمية منظمة، تعتمد على التقسيم والتبويب، والقرشي بذلك يخالف (المفضليات) من حيث التقسيم، قسمها إلى أبواب، أما المفضل الضبي فلم يقسم (المفضليات) إلى أبواب. كما خالفه أيضًا في التصدير لكتابه، أبو زيد القرشي بدأ كتابه بمقدمة نقدية طويلة، عرض فيها عدة قضايا مهمة حول الشعر والشعراء، تحدث فيها عن قضية المجاز في القرآن، وتحدث أيضًا فيها عن أولية الشعر، وأورد أبياتًا نسبت لآدم -عليه السلام- وعلق عليها، وذكر أشعارًا للملائكة والعمالقة وإبليس وعاد، إلى آخر هذه القضايا.
كما تحدث فيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الشعر، وذكر مواقف النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تؤكد إعجابه بالشعر العفيف، الذي يحث على الفضيلة ويدعو إلى مكارم الأخلاق، وذكر أيضًا أن الخلفاء الراشدين ساروا على نهجه -رضي الله عنهم، في الحقيقة مقدمة جيدة، وينبغي أن تقرأ بعناية، وقد خلت (المفضليات) من هذه المقدمة، وبعد هذه المقدمة قسم القرشي مختاراته إلى سبعة أقسام، واختار لكل قسم اسمًا وعنوانًا، وأدرج تحت كل قسم سبعة شعراء، وأورد لكل شاعر قصيدة واحدة، فيكون المجموع تسعًا وأربعين شاعرًا وقصيدة، كل شاعر له قصيدة موزعة على النحو التالي:
القسم الأول في (الجمهرة) سماه: المعلقات أو السموط، جمع سِمْط وهو العقد، وهذا اسم من أسماء المعلقات، والشعراء الذين يمثلون هذا القسم عند أبي زيد هم: امرؤ القيس، زهير، النابغة الذبياني، الأعشى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، طرفة بن العبد.
القسم الثاني من (الجمهرة) سماه القرشي: المجمهرات، ويقصد بها القصائد محكمة السبك، من الناقة المُجَمْهَرة أي المتداخلة الخَلْق، كأنها جمهور من