حيث التفاوت الواضح بين التلاميذ في قواعد الإملاء من ناحية، والتنبه لما يملى عليهم قوة وضعفا من ناحية ثانية، فقد يكتب بعضهم شيئا على غير وجهه نتيجة لخداع السمع حين يخلط المهموس بالمجهور. يندرج تحت هذا السبب أيضا عدم قدرة المملي على الإبانة، فلا يراعي مخارج الحروف ولا يفصلها تفصيلا، فينخدع السمع لدى الكاتب، ويقع التصحيف فيما كتب لا محالة. ومن أمثلة ذلك ما روي من قول علي بن الحسن الأحمر للكسائي: "سمعت أعرابيا ينشد يقال له مزيد:

كأن في ريقته لما ابتسم بَلْقَاءَة ... في الخيل عن طفل متم

يعني: السحاب، فقال له الكسائي: ويحك إنما هو:

...... ... بلقاء تنفي الخيل عن طفل متم"

هذا خطأ في السماع والإلقاء معا، فعلى المحقق أن يدرك ذلك جيدا، وليدرس أحوال الرجال نساخا ومؤلفين وقراء، فلربما كان أحدهم يتصف بصفة مما ذكرنا، فيكون ذلك مدعاة لوقوع التصحيف. هناك سبب سادس: خفاء معنى الكلمة عند الناسخ أو القارئ، فيعدل عنها إلى كلمة مأنوسة مألوفة لديه تؤدي المعنى، وتتفق مع السياق من وجهة نظره، فيقع التصحيف حينئذ، ومثال ذلك ما جاء في حديث استسقاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للعباس بن عبد المطلب قال عمر: "اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك، وقفية آبائه"، أي: تَلْوُهُم وتابعهم، وقد ورد هذا القول في بعض الكتب مصحفا فقيل: وبقية آبائه، ولا معنى له، ولا شك في أن هذا التدخل حدث من الناسخ، أو القارئ وهو يعد إخلالًا بالأمانة العلمية.

هناك سبب سابع: وهو جهل النساخ أو القراء أو المحققين أيضا بغريب كلام العرب، وهذا السبب يختلف عن سابقه، ففي السابق لما خفي عليهم المعنى وضعوا كلمة مكان أخرى، مع تيقنهم أن المؤلف استخدم الكلمة المحذوفة، أما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015