جيدا، وتوجيهه توجيها صحيحا، وأقول هذا لأن بعض الباحثين المحققين يظن أنه يتعامل مع قوالب جامدة لا روح فيها، لا يعنيه ما وراءها من معنى أو ما تحمله من أفكار، هذا ظن لا يصح أن يصدر من عالم باحث محقق، فهب أن باحثا استطاع قراءة المخطوط قراءة جيدة من خلال خبرته بالخطوط وأنواعها، وطرائق النُسَّاخ في الكتابة، وتعرف على أسلوب المؤلف لكنه غير ملم بالموضوع ولا يدرك أبعاده.
كأن يكون الموضوع مثلا في فن المقامات، والباحث لم يقرأ عن المقامات شيئا، لكنه قرأ عن فن الرسائل أو غيرها من فنون الأدب الكثيرة، فكيف يتعامل مع نص المخطوط الذي كتبه المؤلف في فن المقامات وهو لا يدري عنه شيئا إذا كان هذا حاله؟! إن خطأه محتمل لا محالة بل إنه قد يحول الخطأ إلى صواب، والصواب إلى خطأ وليتجنب الباحث مثل هذا، ولا يقدم على مخطوط في موضوع من الموضوعات وهو بعيد عنها، أو لا ينسجم مع فكره، لابد أن تكون لدى الباحث المحقق ثقافة شاملة عن الموضوع، من خلال اطلاعه على الكتب التي كتبت في هذا الموضوع، أو في موضوع قريب منه؛ ليكون على دراية تامة به فيستطيع أن يحلل، يستطيع أن يناقش، يستطيع أن يوجه النص توجيها صحيحا.
هذه هي مقدمات الدخول إلى النص، وهي لازمة كما رأيت لكل من يقدم على تحقيق مخطوط من المخطوطات، الآن أصبح الباحث جاهزا للدخول إلى عالم النص وفحصه وتحقيقه، انتهى من جمع نسخ المخطوط الذي يريد تحقيقه، حقق العنوان، حقق اسم المؤلف، وثق نسبة المخطوط إلى المؤلف، تعرف على أنواع الخطوط التي يستطيع من خلالها قراءة النص، أحاط بأسلوب المؤلف وعرف اتجاهاته وألم بموضوع المخطوط إلماما تاما، يستطيع المحقق حينئذ أن يلج إلى النص ويبدأ في تحقيقه، ويسير وفق خطوات موضوعة متفق عليها.