الأمر الثالث الذي يمكن أن ترتب عليه النسخ من حيث الأهمية: كمال النسخة، فقد تكون هناك نسخة قديمة، وبخط عالم من العلماء، يعني كتبها عالم جليل مشهود بعلمه وفضله غير أن بها خرما، أو تنقص عدة أوراق من أولها أو من وسطها أو من آخرها، لكن عندي نسخة كاملة من المخطوط تحتفظ بالنص كاملا بلا نقصان؛ لكنها متأخرة أو لكاتب أقل درجة علمية من هذا العالم الذي كتبها، أو متأخرة في الزمن من حيث مقارنتها بالنسخة القديمة، نفضل النسخة التي كانت كاملة لا نقص بها، لا خرم بها، لا تصحيف بها، كاملة من جميع الجوانب.
وليحذر المحقق من الخروم الوهمية التي تأتي نتيجة لاضطراب ترتيب أوراق المخطوطة، وليعلم أن اختلاف النسخ من حيث الزيادة والنقصان لا يعني دائما أن بالنسخة الناقصة خرما فربما يكون المؤلف ألف كتابه عدة مرات، ربما يكون المؤلف كتب الكتاب في سنة، ثم راجعه، وأعاد كتابته في سنة تالية، فكان يزيد وينقص فيها أو كان يمليه أكثر من مرة، وكان في كل مرة يملي فيها كانت تحدث زيادة أو نقصان عن المرة السابقة، تسمى هذه الإملاءات المختلفة للكتاب الواحد: إبرازات، في زماننا هذا الإبرازة الأولى يعني الطبعة الأولى، الإبرازة الثانية يعني الطبعة الثانية، وكثير من الكتب العربية أبرز أكثر من مرة، وبينها فروق بالزيادة أو النقصان، والمحققون يعرفون ذلك جيدا، وفي كل مرة يرى من الزيادة والنقصان ما يلفت نظره؛ لأن المؤلف يطلع على الكتاب بعد إبرازه، فيقوم بتصحيحه أو توسيع مضمونه أو إضافة ما يراه صالحا أو حذف ما يراه غير صالح.
أما إذا تجمعت عدة نسخ للمخطوط وأراد المحقق أن يرتب هذه النسخ من حيث علو الدرجة؛ فيكون ترتيبها على النحو التالي؛