أولا: النسخة التي كتبت بخط المؤلف أو أشار بكتابتها أو أملاها أو أجازها، ووصلت إلينا كاملة، ونرى عليها اسم المؤلف، عنوان المخطوط، هذه النسخة هي أعلى النسخ منزلة، وهي التي تسمى النسخة الأم أو الأصل، وإذا استطاع المحقق أن يحصل على نسخة للمخطوطة لكتاب ما كتبت بخط المؤلف فإنها تكون من النفاسة بمكان عظيم، وهي حينئذ تحمل شهادة توثيقها وصحتها، أنها فعلا كتبت بخط المؤلف فإن هذه تعد شهادة لا يرقى إليها شك.

وكذلك الشأن في النسخ المعارضة على الأصول، وخاصة إذا كان الذي عارضها لا يقل عن مؤلفها علما وفضلا، فإنها تلحق النسخة الأم في الثقة بها، وقد أدرك العلماء الأجلاء قيمة مثل هذه النسخة، ويؤكد ذلك ما يروى عن الجاحظ من أنه لما قدم من البصرة إلى بغداد أهدى إلى محمد بن عبد الملك الزيات في وزارته للمعتصم نسخة من كتاب سيبويه، وقبل أن يحملها إلى مجلسه أُعْلِم بها محمد بن عبد الملك الزيات، يعني أخبره بعض الموظفين أن الجاحظ أهداك نسخة من كتاب كذا، فقال له محمد: "أو ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟!، قال الجاحظ: ما ظننت ذلك، ولكنها بخط الفراء، ومقابلة الكسائي، وتهذيب عمر بن البحر الجاحظ، فقال له ابن الزيات شاكرا: هذه أجَلُّ نسخة توجد للكتاب"، فأحضرها الجاحظ إليه، وسر بها ابن الزيات، ووقعت منه أجمل موقع.

في هذا السياق لابد أن يتأكد المحقق أن النسخة الأم هذه هي التي اعتمدها المؤلف، فقد يكون المؤلف ألف الكتاب مرتين أو أكثر من مرة، كما حدث مثلا في (البيان والتبيين)، وفي جمهرة ابن دريد وغيرهما؛ إذ لابد أن ينص المؤلف على ذلك. كما ينبغي للمحقق أيضا أن يتيقن من أن النسخة الموجودة ليست هي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015