والتحريف، ومن الجائز أن تكون النسخة الحديثة منقولة عن أصل قديم، وهذا الأصل القديم ضبطت روايته وصححت قراءته بطريق السماع أو الرواية، في هذه الحالة تصبح النسخة الحديثة أصلا، وتعتمد النسخ الأخريات للمقابلة والتصويب والتصحيح، والحقيقة أن هذا رأي لا بأس به في حالة غياب النسخة الأم الصحيحة من كل الجوانب: خط جيد، ما فيها خرم، ما فيها تصحيف، ما فيها تحريف، نعتمد النسخة الأم بأي حال من الأحوال.

الأمر الثاني الذي يرتب على أساسه الباحث المحقق النسخ من حيث الأهمية: علم الناسخ، فقد تكون هناك نسخة قديمة غير أن ناسخها جاهل، يكثر الخطأ والتصحيف والتحريف في نسخه، بجوار نسخة أخرى حديثة غير أن ناسخها عالم جليل مشهود له بالدقة وتحري الصواب، لو وضعنا هذه بجوار تلك، وعندئذٍ لابد للمحقق أن يعد هذه النسخة الحديثة أمًّا يعتمد عليها في نشر المخطوط؛ لأنها أصح، وفي تراثنا أمثلة لهؤلاء العلماء الأجلاء، والذين كتبوا بخط أيديهم مجموعا من المخطوطات، وهي صحيحة وتعد أصولا يعتمد عليها، منهم على سبيل المثال لا الحصر أبو منصور الجواليقي توفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة للهجرة، فقد كتب مجموعة تحتوي على ثمانية كتب: (أسماء خيل العرب وفرسانها) لابن الأعرابي، (نسب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها) لابن الكلبي، (الإبل والشاء) للأصمعي، (الأمثال) لأبي عكرمة الضبي، (نسب عدنان وقحطان) للمبرد، و (ما يذكر ويؤنث من الإنسان واللباس) لأبي موسى الحامض، و (الأمثال) للسدوسي، هذه أمثلة نسخها نسخا، وهو عالم جليل علمه وفكره اتضح فيها، فا لاعتماد على مثل هذه النسخ اعتماد أكيد، ومقدم على الاعتماد على أية نسخة أخرى لهذه المخطوطات الثمانية التي أشرت إليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015