دون نص على هذا الإجماع، أما الروايات التي وقع فيها خلاف في روايتها، فإنه كان ينص على أوجه الخلاف، ليس في رواية الديوان أو في رواية القصيدة، وإنما كان ينبه إلى أوجه الخلاف في رواية الأبيات المفردة ذاتها.

لم يكن السكري وحده وإنما كان العلماء جميعا هذا ديدنهم، وذاك منهجهم توثيق الدواوين، تحقيقها، وبالإضافة إلى ذلك كانوا ينصون على ما زاد في بعض الروايات، وينصون على أوثقها يقولون: وزاد فلان في روايته كذا على رواية الأصمعي أو على رواية الشيباني، ثم يقولون: هذه أوثق الروايات، وهذه تأتي في الدرجة الثانية بعد الثقة، فمثلا هذا ابن النديم صاحب كتاب (الفهرست) يذكر (المفضليات) ثم يقول: "هي مائة وثمان وعشرون قصيدة، وقد تزيد وتنقص، وتتقدم القصائد وتتأخر بحسب الرواية عن المفضل، والصحيحة -يعني الرواية الصحيحة- التي رواها عنه ابن الأعرابي". هذا الحكم لم يصدر عن ابن النديم عشوائيا، ولكن صدر عن تمحيص أو على الأقل عن تتبع لآراء المحققين في تلك الروايات، وأي الرواية أصح وأيها فيه شك أو ما يشبه ذلك، فابن النديم يرى أن رواية ابن الأعرابي أعلى الروايات وأوثقها، وهي الرواية التي بنى عليها ابن الأنباري شرحه لـ (المفضليات).

ومما تجدر الإشارة إليه أن الرواد الأوائل من الرواة والعلماء لم يلتزموا الإسناد فيما رووه إلا نادرا، ولكن بعد أن اتسع القول في علم الحديث ووضعت أصوله وحددت مصطلحاته، بدأ رواة الأدب يحرصون على رواية ما اتصل من الأسانيد عند ذكر الأخبار والأشعار والسير. وقد اتضح هذا السلوك في مؤلفات القرن الثالث الهجري والقرون التي بعده، ونراه ماثلا في كتابي (الأغاني) للأصفهاني، و (مجالس ثعلب) بل بلغ الأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015