ببعضهم أن وضع شروطا لرواية الأدب هي بعينها شروط رواية الحديث الشريف، فيقول الصاحبي مثلا: "تؤخذ اللغة سماعا من الرواة الثقات، ويتقى -يعني يتجنب- المظنون"، وقد صرح ابن الأنباري بقياس رواية الأدب على رواية الحديث حين قال: "يشترط أن يكون ناقل اللغة عدلا رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو عبدا، كما يشترط في ناقل الحديث؛ لأن به معرفة تفسيره وتأويله، فاشترط في نقله ما اشترط في نقله"، يعني اشترط في نقل اللغة أو الأدب ما يشترط في نقل الحديث، بل إن بعض الفقهاء قد عرض لرواة اللغة والأدب، فاشترط فيهم العدالة، ومن هؤلاء الفقهاء العز بن عبد السلام في القرن السابع الهجري.
كما اشترط العلماء في راوي الأدب واللغة أن يكون الأثر معروفا ناقله وقائله، وردّوا من الآثار واللغات ما كان مجهول القائل أو الناقل، ورفضوا الاحتجاج به، وهذا الشرط في الحقيقة مكمل لشرط العدالة؛ لأن الجهل بالناقل أو القائل يوجب الجهل بالعدالة هذا منطقي. هذا بالنسبة للجهود العربية في القديم، فهل كان لعلماء أوربا في ذلك الوقت دور في هذا المجال؟ لا، لم يهتد علماء أوربا لهذا الفن إلا في القرن الخامس عشر الميلادي، حين اهتموا بإحياء الآداب اليونانية واللاتينية، وكانوا إذا وجدوا كتابا من كتب القدماء قاموا بطبعه، ولا يبحثون عن النسخ الأخرى لهذا الكتاب، ولا يصححون إلا أخطاءه البسيطة.
فلما ارتقى علم الآداب عندهم عمدوا إلى جمع النسخ المتعددة لكتاب من الكتب القديمة وقابلوا بينها، وكانوا كلما تخالفت النسخ اختاروا إحدى الروايات المختلفة، ومع ذلك كانوا ينتقون المهم منها، ويستنتجوا الاصطلاحات الحدسية التي تخالف ما هو مروي في النسخ، ولم يكن لهم منهج معلوم، ولا قواعد متبعة كما رأينا عند العرب الأوائل، وظل الأمر على هذا الحال حتى أواسط