فحمل عليه ما ليس منه، وضاع منه الكثير في غمار الزمن، وقامت الطبقة الأولى من الرواة العلماء الثقات بتحقيق ذلك التراث الشعري وتنقيته من الشوائب، ودونوه بقصد إنقاذه من الضياع والتشويه والتزوير، واشتهر بعض الرواة بالضبط والثقة والأمانة والبعض الآخر بالكذب والتهاون والوضع.
هذا هو ميدان التحقيق والتثبت من النصوص وإخراجها كما صدرت عن مؤلفها، هذا في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري. وفي القرن الثالث قامت حركة منظمة للجمع والتدوين على أيدي أئمة من الخبراء بالشعر الذين يعرفون صحيحه من زائفه، وجمعت هذه الحركة تراثا ضخما من هذا الشعر الذي قيل في الأزمنة السابقة عليهم، بداية من العصر الجاهلي، جمعوا تراثا ضخما عكف عليه الدارسون يستخلصون منه معجم ألفاظهم، وقواعد نحوهم وصرفهم، وأساليبهم البيانية وخصائصها التعبيرية، وقد قام رواة الشعر وعلماؤه بدور عظيم في مجال تحقيق هذه النصوص وتوثيقها، فتارة يراجعون الدواوين التي تقع بين أيديهم، وتارة يعرضون هذه النصوص على الأحداث أو التاريخ وأعلامه؛ ليكشفوا صحيحها من زائفها وسليمها من سقيمها، وقاموا بمراجعات كثيرة لألفاظها؛ لتوضيح ما دخلها من تصحيف وتحريف حتى في اللفظ وكتب التراث التي تناولت هذا بين أيدينا، وفيها تنبيهات كثيرة على هذه التحريفات وتلك التصحيفات، وهي خير شاهد على هذا الجهد الذي بذله هؤلاء العلماء الرواة في سبيل تحقيق وتصحيح وتوثيق هذا التراث الشعري الأصيل.
ومن ثم يمكننا القول: إن التوثيق عند هؤلاء العلماء الذين اشتهروا برواية الشعر والعلم به بدأ بتمييز الرواة الموثقين من الرواة المتهمين، ونصوا على كل طائفة منهم فذكروا من الموثَقين الأثبات أسماء كثيرة كالمفضل الضبي مثلا والأصمعي