إذن اتضح أن العرب كانوا أصحاب سبق في مجال التأليف العلمي، وكان لهم سبق أيضا في معرفة الأدوات العلمية، أو أدوات البحث العلمي التي ينبغي أن يستخدمها الباحث حين بحثه.
هناك فرق بين المنهج والأداة: المنهج يأتي نتيجة تطور علمي وفكري وثقافي غير قليل حقيقة، الأمم التي تقدمت فكريًا وثقافيًا وعلميًا هي أفضل الأمم في معرفة المناهج العلمية السديدة، الموصلة إلى النتائج اليقينية التي لا شك فيها، فما موقف العرب من المناهج العلمية حين التأليف؟ هل كانت لهم مناهج حين استخدموا هذه الأدوات التي أشرت إليها؟ أم أن التأليف عندهم جاء تأليفًا انطباعيًا لم يكونوا يعرفوا منهجًا من المناهج؟
التدوين بدأ في فترة مبكرة من حياة العرب، وبدأ التأليف الحقيقي منذ أن بدأ التدوين يظهر في البيئة العربية، فلو رجعنا إلى عصر بني أمية لوجدنا أنه شهد حركة كبيرة في مجال التأليف، ولم تكن هذه الحركة قاصرة على علوم الدين واللغة والأخبار والأنساب فحسب، وإنما كانت لهم إسهاماتهم في مجال العلوم الأخرى كالكيمياء والطبيعة، فقد روي أن يزيد بن معاوية كتب أكثر من كتاب في الكيمياء والعلوم المعملية، ذكر منها ابن النديم كتاب (الحرارات)، وهذا دليل على أن العرب بدءوا يطرقون باب التأليف منذ فترة مبكرة، تواكب بداية التدوين عندهم.
مما يؤكد ذيوع التأليف في عصر بني أمية: اشتهار عدد كبير من العلماء باقتناء المكتبات الخاصة والعامة، من هؤلاء: ابن شهاب الزهري التابعي، وكان من