معلومات من ناحية أخرى، ويتطلب هذا استيعاب المادة العلمية استيعابا دقيقا من قبل الباحث بحيث تتحول في نفسه من مجرد معارف متجاورة إلى عمل موحد له كيانه، وهذا يعني: أن البحوث لا تقوم على جمع المعارف والمعلومات فحسب، وإنما تقوم على الاستيعاب والتمثل؛ إذ لابد للباحث أن يعايش موضوعه، ويخالط المادة العلمية التي جمعها ويتمثلها تمثلا يحيلها إلى عمل متكامل، فالباحث لا يعرض معلومات، وإنما يعرض بناء متماسكا يسود بين أجزائه وفقراته المنطق والروابط الذهنية المحكمة، فلا نشاذ، ولا تكرار، ولا اضطراب، وبمقدار ما يحتاج البحث إلى تمثل قوي من الباحث فإنه يحتاج إلى شيء من الدقة حين عرض المعلومات والأفكار، ومراعاة حال المتلقي، وطبيعة البحث.
كما يجب أن تتوفر في الباحث صحة الأداء بحيث يجيد استخدام الألفاظ، ويعرف موقعها، ودلالتها، ويقف على المصطلحات الأدبية والنقدية، ويدرك أبعاد هذه المصطلحات، فلا يردد ألفاظا أو مصطلحات لا يدرك معناها جيدًا، كما نرى في كثير من البحوث التي تكتب.
كما يجب أن يتحرى الدقة في استخدام كلمات الأحكام الأدبية، فلا يوردها بصيغ التعميم إلا إذا تأكد من اندراج جميع الجزئيات في الحكم الأدبي، يعني: لا يصدر حكمًا عامًا إلا إذا كانت هذه الجزئيات تندرج تحت هذا الحكم، ولابد أن يفسح لصيغ الاحتمالات مجالا، ويبتعد عن كل حشو، ويتجنب كل تكلف في الأسلوب، فلا يستخدم السجع إلى ما قد يأتي عفوا، ولا يستخدم الصور البيانية إلا إذا التحمت بالكلام التحاما وجاءت في الحين البعيد بعد الحين، والأولى أن يتحاشاها؛ حتى لا تجره إلى أخلية معقدة، وحتى لا يؤدي به ذلك أحيانا إلى استخدام صور محفوظة تضر بأسلوبه، وسياقه، وتخرجه عن مجال الفكرة التي يتحدث عنها.