ولابد أن يتمرن طويلا؛ حتى يستقيم له أسلوب واضح فصيح، يخلو من الألفاظ الغريبة أو العامية المبتذلة، أسلوب وسط لا يعلو على أفهام المثقفين، ولا يهبط إلى لغة العوام، أسلوب فيه تناسق، فيه استواء. نجد ذلك عند كثير من النقاد، والأدباء المشهورين بجودة دراساتهم الأدبية الذي يملكون القدرة والبراعة، وربما كانت أفكارهم ضحلة، أو سطحية. ومع ذلك، يقبل عليهم القراء؛ لما يجدون عندهم من التناسق في العبارات، والصفاء، وحسن الأداء. نتعلم جميعًا من مثل تلك الأساليب، ونتمرن، ونتمرس.
وينبغي أيضا أن تظهر شخصية الباحث العلمية خلال تصنيف المادة العلمية، وصياغتها، وتركيبها، ومناقشتها، ولابد أن يتسم بالحيدة، ويتحلى بالنزاهة، ويتصف بالموضوعية والإنصاف، وأن يتأدب في مناقشة الآراء، فلا يغلو في التسفيه، أو يشتط في الحملة، ويتجنب الحديث عن نفسه بألفاظ التفخيم، والتعظيم. كل هذا ينبغي أن يبتعد عنه الباحث، ولا يقع فيه بحال من الأحوال.
ومما يتعلق بالصياغة أيضا وينبغي مراعاته جيدا: العبارة أو الأسلوب: فالبحث -كما أشرت آنفا- بنية واحدة متكاملة، كل عبارة فيه تمثل لبنة أساسية في تلك البنية، يضطرب البحث باضطرابها، ويستجاد بدقتها، وصحة تركيبها. ومن ثم، لابد للباحث من الدقة في التعبير عند الصياغة البحثية بحيث تأتي العبارة على قدر المعنى، دون زيادة أو نقصان، وأن تكون منسجمة في مكانها، فلا يضع عبارة مكان أخرى؛ لأن هذا يفقد البحث أهميته، ويجعله كالخيط المعقد النشاز.
وينبغي للباحث أن يختار الجمل القصيرة البسيطة التركيب غير المعقدة، وأن يتجنب المبالغات الممقوتة، وأسلوب السخرية والتهكم، وكل ما يثير الخلاف، ويدعو إلى الجدل، ويخلو أسلوبه بكل ما يخل بالبلاغة والأساليب الأدبية. ومن ثم، لابد للباحث من ثقافة واسعة، ودراية كاملة بعلوم اللغة العربية،