الإحساس بما في النص من متعة جمالية وفنية، لا أقصد هذا ولا أقصد التحليل السطحي الذي يقف عند حد المعنى الظاهر كما أشرت، وإنما أقصد التذوق الذي يدفع الباحث إلى الجري وراء العلل، والكشف عنها. أقصد: التحليل الذي يجعله يغوص في أعماق النص، ويكشف عن عناصر الجمال فيه، ويوضح تأثيرها في نفس المتلقي، يتخطى جانب الذات عنده، وجانب المتعة إلى الكشف عن العلل والأسباب، بل يتخطى ذلك كله إلى أثر ذلك في نفس المتلقي.
فالتذوق لا يقصد لذاته، ولا لمجرد الكشف عن أحاسيس الباحث إزاء الأعمال الأدبية فحسب، فإذا وقف باحث أمام فن المتنبي الشعري مثلا، وتذوقه تذوقا صحيحا، ثم انتقل من التذوق إلى البحث عن مصادر الجمال فيه، فإنه سوف يقف على روعة لا مثيل له، روعة تجسيده لمعاني العروبة وأحاسيسها، ومعاني الفتوة والبطولة، وتصويره الرائع لاعتداده بنفسه، وغير ذلك من خصائص فنية تبدو من خلال هذا التذوق، وذلك التحليل.
ولا شك في أن ذلك كله سوف ينعكس على نفس القارئ نتيجة لما يقوم به الباحث من تسجيل آثار انعكاساته على نفسه، وكما يحلل الباحث فن شاعر ويتذوقها، ينبغي أن يحلل شخصية الشاعر، ويكشف عن أثر العناصر الداخلية والخارجية فيها، أي: في هذه الشخصية. بمعنى: أنها يحلل المؤثرات ذاتها التي كونت شخصيته، فالشاعر ثمرة ظروف كثيرة متشابكة، والباحث يكشف من خلال تحليله لشخصيته عن طبيعة تلك الظروف وأبعادها النفسية والشخصية، كما يحلل الباحث المؤثرات التي تعاونت على تكوين غرض معين. تأمل استخدامات التحليل، أو مجالات استخدام التحليل، ليس في تحليل النص فقط، وإنما يحلل المؤثرات التي تعاونت على تكوين غرض معين، أو التي طبعت فن