وسرت روح هذه الحملة بين الباحثين حتى صارت كأنها حقيقة، ولكن لو اعتمدنا على مبدأ التفسير الدقيق في بحثنا لشوقي، والبيئة التي عاش فيها؛ لتكشفت لنا مجموعة من الحقائق. ومن بعض هذه الحقائق التي تتكشف لنا: أن الشعراء ينقسمون إلى قسمين: شعراء ذاتيين، وشعراء غيريين. فالشعراء الذاتيون يتغنون بمشاعرهم وعواطفهم الذاتية، أما الغيريون: فيتغنون بعواطف أمتهم، ومشاعر قومهم، وجماهيرهم الجماعية، كما يتضح أيضا من خلال التفسير للشاعر، وبيئته، والظروف التي عاش فيها أن الشاعر لا يقاس بذاتيته، أو غيريته، وإنما يقاس بمدى براعته في فنه، وشوقي كان بارعا في فنه أيما براعة، وقد عد أكبر شاعر في عصره، وليس معنى أنه شاعر غيري أن ذاته لم تتضح في شعره، هذا غير صحيح، فكم له من شعر عبر فيه عن عواطفه ومشاعره بجانب مشاعر قومه الفياضة. هكذا، نجد أنفسنا أمام كثير من الظواهر الأدبية لا تنجلي ولا تتضح إلا من خلال التفسير الدقيق للظاهرة الذي يعد من أهم الأسس التي يلتزم الباحث بها عند صياغة بحثه، فكن دقيقًا في تفسيرك للمعلومات التي جمعتها.

ومن الأمور المهمة التي يجب تحققها في الباحثين ومراعاتها عند صياغة البحث: قدرة الباحث على التذوق والتحليل، وأعني بالتذوق: تذوق النص الأدبي، وأعني بالتحليل: التحليل الفني، لا مجرد الشرح، أو بيان المعنى، أو التفسير السطحي. لم أقصد هذا. التذوق ملكة تنمو بالمران والممارسة، وقد أشرنا قبل ذلك إلى أن البحث الأدبي بناء تام متكامل، وإذا صح هذا فالتذوق هو أس هذا البناء، أي: أساسه الذي يقوم عليه، وأن التحليل الفني هو البناء نفسه، وعندما أقول: التذوق هو التحليل لا أعني التذوق المجرد الذي يقف عند حد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015