الإمام الناطق، وعنه تصدر جميع المخلوقات؛ وأن الشاعر أبا العلاء المعري كان متأثرًا بالفكر الاعتزالي، ومعلوم أن المعتزلة يقدسون العقل ويكبرونه إكبارا، وإذا تركنا الأدب القديم، وتأملنا الأدب الحديث لوجدنا عند شعرائنا كثيرًا من الجوانب التي تحتاج في التعامل معها إلى دقة التفسير، وفهمها فهمًا صحيحًا.

ولنضرب لذلك مثلا بشاعرين كبيرين هما: محمود سامي البارودي، والشاعر أحمد شوقي أمير الشعراء، فقد اتهم البارودي أنه كان لا يصدر عن نفسه في شعره، وإنما كان يصدر عن محفوظه من الشعر القديم. ومن ثم، قيل: أنه شاعر مقلد للشعر القديم وليس مبدعا، هذا الحكم حكم شائع، واقرأ إن شئت كثيرا من الكتابات التي كتبت عنه، ويسمونه: شاعر الإحياء، يعني: شعره لا يعبر عنه نفسه، ولا ثقافته، ولا عن فكره، وإنما هي مجرد أبيات حفظها من الشعر القديم، وينسج على منوالها. ولكن الدقة في التفسير عندما نأتي إلى هذه القضية، ونتعامل معها من خلال التفسير لهذه الظاهرة في شعر البارودي يتضح لنا أنه كان صاحب أذن مرهفة، وعين شاعرة، وأنه لجأ إلى ذلك لغاية سامية في نفسه يود تحقيقها، وقد نجح فعلا في تحقيق هذه الغاية حين أعاد الحياة إلى الشعر العربي من جديد. ومن ثم، عد أبا للشعر العربي الحديث ومدارسه. كما يكشف التفسير الدقيق أيضا أن شعر البارودي يصور نفسه بأحاسيسها ومشاعرها خير تصوير، وأن كل لفظة نطق بها أو صورة التقطها خياله إنما هي صورة لحسه وشعوره، وليس كما قال هؤلاء المدعون، المتهمون. هذه هي قضية البارودي.

أما الشاعر الثاني هو أحمد شوقي: وقد شنت عليه حملة شعواء في ذلك العصر، مفادها: أنه لا يعبر عن نفسه في شعره، ولا يصور ذاته بأهوائها وخواطرها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015