وكما نحتاج إلى التفسير الدقيق لبحث الظواهر الأدبية في العصور المختلفة -كما أشرت-، نحتاج إليه أيضا في التعرف على حقيقة المذاهب الفنية، كمذهب التصنع، أو التكلف الشديد الذي ساد في القرن الرابع الهجري مثلًا بين الشعراء، فإن التفسير الدقيق لهذا المذهب يكشف عن جانب مهم من جوانبه، وهو أنه جاء صدى لتصنع مماثل في الحياة، فالحياة العربية آنذاك، والحضارة الإسلامية وصارت لغة التصنع هذه في الحياة الأدبية انتقلت من الحضارة، ومن المجال الحياتي عند العرب، انتقلت إلى فنهم الأدبي، فرأينا كتابات بديع الزمان الهمذاني المثقلة بالتكلف والتصنع، كما رأينا صورة من هذا عند أبي العلاء المعري في لزومياته، كل هذا يكشف عنه التفسير الدقيق. كما نحتاج إلى دقة التفسير أيضا في البحوث التي تدور حول الشعراء أنفسهم، وخاصة حين يصدرون في شعرهم عن عقائد مختلفة، أو فلسفة معينة، فلابد أن ندرك هذه العقائد، وتلك الأفكار الفلسفية إدراكًا جيدًا، من خلال التفسير الصحيح؛ حتى نستطيع الوصول إلى نتيجة صحيحة وصادقة، ولنضرب بذلك مثلا: ابن هانئ عندما يقول في مدح المعز لدين الله الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

وكذا من ضمن هذه النماذج، ما أشيع حول أبي العلاء المعري من أنه لم يكن يؤمن بشيء بعد الله -سبحانه وتعالى- إلا بالعقل وحده. فما رآه العقل حقا فهو حق، وما رآه باطلًا فهو باطل، هذه الحقيقة كررها النقاد عند أبي العلاء.

والباحث لا يعرف الوجه الصحيح لما ورد في بيت ابن هانئ أو فكر المعري إلا من خلال التفسير الدقيق، التفسير الدقيق يكشف عن أن الشاعر ابن هانئ كان يعتنق العقيدة الإسماعيلية، وأن هذه العقيدة كانت تؤمن بانتقال قدرة الله -سبحانه وتعالى- إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015