أبي ربيعة، والوليد بن يزيد، والكميت الزيدي، وركبة العجاج، وجرير، والفرزدق، والأخطل، وغيرهم من الشعراء في ذلك العصر. وأثبت الباحث من خلال التفسير الدقيق أن هؤلاء الشعراء جميعا أحدثوا تغيرات وتتطورات واسعة النطاق في الشعر الأموي، كما ظهرت ألوان جديدة من الفنون الشعرية، كفن الشكوى من السجون مثلا، والحنين إلى حياة الصحراء. وهكذا استطاع هذا الباحث الجاد أن يسعى وراء قضيته، ويفسر الظواهر بدقة؛ حتى تمكن في النهاية من الوصول إلى حقيقة تخالف رأيًا سائدًا أجمع عليه النقاد من العرب والمستشرقين سنوات طوال. هذا نموذج، ينبغي أن يحتذى، ولا أعني بكلمة تفسير التي أشرت إليها الآن شرح النصوص أو تحليلها؛ فهذا عمل مدرسي يتسم بالسطحية، وإنما أعني التفسير بمعناه الواسع الشامل الذي يستخدم في شتى ميادين الأدب والنقد، التفسير الذي يستخدم في دراسة العصور الأدبية دراسة تتسم بالعمق الذي من شأنه أن يلجأ إلى التفسير الدقيق للحركات، والظواهر الأدبية في عصر ما من العصور.
وخير شاهد على ذلك: العصور المتأخرة، وبخاصة عصري الأيوبيين والمماليك، فقد قيل مرارًا: إن الشعراء نضبت قرائحهم، وجفت ينابيع الشعر لديهم في هذين العصرين، وأنهم عاشوا على اجترار الماضي ومحاكاته محاكاة تقصر عن الأصول قصورا شديدا، كل ذلك فيه ظلم لشعراء هذين العصرين، وهو ظلم جره التفسير الخاطئ لمحافظة الشعراء حينئذ، فقد ظن الباحثون أن هذه المحافظة أثر من آثار الجمود وخمول الفكر، والحق، أنه لم يكن هناك خمود ولا ركود، ولا تعطل ذهني على الإطلاق، إنما كان هناك لون من المحافظة القوية بدافع الاحتفاظ بالشخصية العربية أمام أعدائها من الصليبيين والتتار؛ خشية أن تضعف أو يصيبها وهن فيؤثر على قواها العاتية.