الصحيح، وهو يتعامل مع هذه القضايا الغامضة، أو التي كثرت فيها الآراء، واختلفت حولها وجهات النظر.
والباحث الجيد يلتقط مثل هذه القضايا، ويخوض غمارها، ويلم بأطرافها، ثم يخرج في النهاية منها بتصور جيد ربما خالف الرأي المشهور فيها، ولا ضير في ذلك على الإطلاق طالما أن أحكامه تدور على الحجة القوية، والدليل الواضح. ولنضرب لذلك مثلا: الاضطراب الذي لحق الشعر في عصر بني أمية حيث مضى الباحثون من المستشرقين والعرب يقررون أن الشعر في عصر بني أمية لم يصبه التطور والتجديد، ولم يخرج هذا الشعر عن التقاليد المورثة من العصر الجاهلي -اللهم ما ظهر من شعر سياسي أو غزل عذري- وصار هذا الرأي كالحكم القاطع على الشعر في ذلك العصر، ومثل هذا الموقف يحتاج إلى باحث فطن يستخدم التفسير الدقيق، ويتعمق في ذلك الشعر، يرفع الحجب عنه.
وقد حدث هذا بالفعل عندما قام الدكتور شوقي ضيف بهذا العمل، وكتب بحثًا قيمًا بعنوان: "التطوير والتجديد في الشعر الأموي"، وبدأ يتعمق في هذا الشعر، ويفسره بدقة، ومن خلال التفسير الدقيق هذا أبطل هذا الرأي السائد، وقرر أن صور التجديد والتطور بادية في الشعر الأموي، وأنها تحولت به إلى ما يشبه العالم الفني المستقل، لا يتحضر فيه العرب فحسب، بل ينغمسون في الترف، وأن الشعر الأموي مرآة صافية ترتسم عليها حياة العرب الجديدة بكل قسماتها وملامحها، بل بكل ما صادفها من تطور. ورأى أيضا أنه لا يوجد عنصر من عناصر التطور إلا وسجله الشعراء في شعرهم، سواء من حيث السمو الروحي، أو من حيث السمو العقلي، أو من حيث نظام الدولة والمعيشة. وأتى المؤلف بألوان من صور التطور والتجديد التي تفصح عن نفسها، ممثلة في شعر عمر بن