فنأخذ مثلا الغزالي أوضح في كتابه (المنقذ من الضلال)، هذا دليل نستطيع أن نثبت من خلاله أن أداة الشك، أو هذا المنهج العلمي دليل أكيد على أن العرب قد سبقوا "ديكارت" و"بيكون" بأزمان طويلة، فيقول الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال) أنه مر بمرحلة الشك في الأمور حتى يقوم الدليل على صحتها، فيقول: "إن كل ما لا أعلمه على هذا الوجه، ولا أتيقنه هذا النوع من اليقين فهو علم لا ثقة به، ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقيني". وعند النظام وعند الجاحظ كثير، وهذا معروف في كتب النظام والجاحظ.

الأداة الثالثة من أدوات البحث العلمي التي استخدمها العرب: التجربة، التجربة تبدأ بالملاحظة ثم بعد ذلك الاستقراء ثم الموازنة، ثم التركيب، ثم الاستنباط القائم على المقدمات للوصول إلى نتيجة ثابتة، وهي النتيجة التي يظل الباحث يسعى وراءها، حتى تثبت لديه بالأدلة اليقينية، بعد مرحلة طويلة من الشك والتجريب، ومحاولة الموازنة، ومحاولة الاستنباط، هذا المنهج التجريبي كان من المناهج التي اعتمد عليها الجاحظ في بحوثه، وتحصيل العديد من معلوماته، اعتمد عليه اعتمادًا يكاد يكون كليًّا بالإضافة إلى الشك.

وكان دائمًا يدعو الناس إلى أن يجربوا بأنفسهم، ويعد ذلك تأصيلًا لهذا المنهج، ومحاولة لزرع هذه الأداة في نفوس كل من يطلب العلم، فكانت المعاينة عنده تشكل العنصر الأول من عناصر البحث العلمي، يضم إليها التجربة والعرض والمقابلة والتصنيف، ومن ثم فإنه يعد أحد أعمدة علم الأحياء العرب، ومن أهم كتاباته في ذلك المجال كتاب (الحيوان)، الذي أكد فيه وحدة الطبيعة، وأوضح العلاقة بين المخلوقات المختلفة، وظلت آراؤه في التجربة منهجًا علميًا مقررًا لدى الباحثين من بعده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015