الأداة الأولى التي استخدمها العرب في مجال البحث العلمي، ومكنتهم من التفوق في هذا المجال على غيرهم: هي الروح العلمية، التي تتسم بالحيدة ونزاهة العقل، فقد أقبلوا على البحث بروح علمية واثقة وثابة، وفكر واع مستنير، مستعد لقبول الحق واعتقاده، متجرد من تأثير الأحكام المسبقة، وهذه مهمة جدا، هذه الأداة لابد أن يتصف بها كل باحث علمي مدقق حصيف واع، أن يمتلك الروح العلمية المحايدة والعقل النزيه، يقبل على البحث في ثقة وفكر واع، ويكون عنده استعداد لقبول الحقيقة أيًا كانت، طالما أن الحجة قد قامت عليها لابد أن يقبلها، بهذا استطاع العرب أن يبحثوا، وأن يستنتجوا وأن يتفوقوا، وأن يسيطروا على العالم كله في مجال البحث العلمي عندما اتصفوا بهذه الصفة.

الأداة الثانية التي استخدمها العرب في بحوثهم: الشك في الموضوع، والشك قائم منذ أن تبدأ البحث في الأدب، وقلنا: إن كلمة بحث تعني أن هناك حقيقة مفترض وجودها، هي موجودة لكنك لا تدركها، فأنت تشك هل هي موجودة حقيقة؟ فإن كانت موجودة فعليك أن تأتي بالدليل، وتقيم الحجة على وجودها، فأنت تبدأ بالشك ثم تأتي بالأدلة حتى يتحول الشك إلى يقين.

فالشك في الموضوع، أو في هذه الحقيقة المفترضة التي يتتبعها الباحث في بحثه؛ هذه أداة أخرى من أدوات البحث العلمي، وقد استخدمها العرب قديما، وكانت ضمن الوسائل التي مكنتهم من التفوق في هذا المجال، فادعى الآن في العصر الحديث "بيكون" و"ديكارت" أن الشك، أو المنهج الشكي من ابتكارهما، وهذا ادعاء خاطئ، والحقيقة أنهما كانا في ذلك تلميذين للباحثين العرب، وبخاصة النَّظَّام، والجاحظ والغزالي والخوارزمي، والبيروني، وعلماء كثر من المسلمين العرب وغير العرب، كان الشك أساسًا من أسس البحث العلمي عندهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015