هذا الوضع الذي كان عليه العرب لفت أنظارهم إلى فكرة المصدر، كل خبر معه مصدره، كل كلمة لها مصدرها. لما ظهر التصنيف في اللغة والأدب ظلت فكرة المصدر تشغلهم، وبدأت تظهر عند المصنفين في اللغة والأدب عناية شديدة بذكر المصادر الأساسية التي اعتمدوا عليها في تأليف مصنفاتهم مع عنايتهم الشديدة بالأساليب التي تحمل الأخبار الواردة فيها؛ لأنها المصدر الأصلي الذي ينبغي الرجوع إليه دائمًا، فنراهم يعرضون في مقدمات مصنفاتهم لأئمة اللغة والأدب الذين اعتمدوا عليهم في جمع المادة العلمية، وكلما تقدمنا مع الزمن وجدنا اهتمامًا بالغًا بالمصادر.

فعلى سبيل المثال: لو تأملنا كتاب (المخصص) لابن سيدة المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وجدناه يذكر في مقدمته مصادره التي استقى منها مادته العلمية، وفي مقدمتها كتب الأصمعي، وكتب أبي زيد، وكتب أبي حاتم، وكتب ابن شمين، وابن الأعرابي، وكتاب تعلب (الفصيح والنوادر)، وغير ذلك من مصادر أثبتها ابن سيدة في مقدمة معجمه، ولم يكن ديدن ابن سيدة وحده، وإنما فعله معاصروه أيضًا، فهذا ابن عبد البر النمري القرطبي الحافظ المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، يصنع في كتابيه (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)، و (الدرر في اختصار المغازي) مثل ما صنع ابن سيدة، وكلما دار الزمن دورة رأينا اهتمام العلماء بالمصادر يزداد توثيقًا لما يؤلفون ويصنفون. وياقوت الحموي يعد نموذجًا وعلمًا بارزًا يحتذى في هذا المجال في كتابيه: (معجم الأدباء) و (معجم البلدان)، ولعل علمًا لم يعن حملته والمؤلفون فيه بذكر المصادر مثل علم القراءات، ومن يرجع إلى كتاب السبعة لمجاهد المتوفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة يجده يهتم بذلك اهتمامًا لا حد له، وكذلك كتاب (النشر في القراءات العشر) لابن الجزري، وغير ذلك من كتبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015