موضوعًا بهذه الصفة من الشمول والاتساع، ولا بد من التحديد حينئذ كأن يحصر الوصف مثلًا في شيء محدد، فيقول: وصف الليل أو وصف الخيل، أو وصف الرعد والبرق أو يقصره على شاعر واحد، فيقول: فن الوصف في شعر امرئ القيس، أو يتناول فن الوصف من خلال عدة قصائد مشهورة كالمعلقات، يقول: وصف كذا في المعلقات.
والحقيقة، أننا نصادف بحوثًا كثيرة على هذه الشاكلة، ونرى أصحابها كالغرقى في يم غابت شواطئه، وكانت النتيجة أن جاءت تلك البحوث سطحية التناول والدرس، لا عمق فيها، اعتمد فيها صاحبها على مجرد الوصف، ولم يصل إلى نتائج دقيقة، ومثل هذه البحوث لا ترقى إلى مستوى البحث العلمي الجاد بحال من الأحوال. فانتبه لذلك جيدًا، واعلم أن السبب هو اختيار الموضوع غير الدقيق.
وإذا كان الموضوع الذي اختاره الباحث شخصية أدبية موسوعية مشهورة فلا بد من تحديد جانب معين في تلك الشخصية، فعندما يتناول الباحث مثلًا: شخصية كشخصية زهير بن أبي سلمى، أو النابغة الذبياني، أو الجاحظ، أو المتنبي، أو شوقي، أو العقاد مثلًا، لا يصح أن يأتي الموضوع عامًا، فيقول: زهير، أو أدب زهير، أو أدب الجاحظ، أو نثر العقاد؛ لأن كل واحد من هؤلاء قد برع في اتجاه محدد، وأتى بدروب تعبيرية وتصويرية متنوعة في فنه، فإذا أراد أن يكتب الباحث عن هذه الشخصية، أو عن شخصية من هذه الشخصيات، فليحدد وليختر منذ البداية جانبًا أو اتجاهًا بارزًا لدى أي منهم، وينهض بدرسه فيقول مثلًا: الحكمة في شعر زهير، أو الصورة الفنية في شعر النابغة، أو أسلوب الحوار في أدب الجاحظ، كل هذا مقبول؛ إذ أن من شأن الباحث الفطن أن يثير قضايا جديدة