من الباحثين الذين يعتمدون على غيرهم شبههم تشبيهًا له دلالات شبههم بالنباتات التي تتسلق الأشجار الشامخة، فقال: ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه؛ فإن ذلك يصبح خاصة من خواص بحوثه، ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثًا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث، فوجوده دائمًا تابع لوجود غيره كوجود النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة، هذه حقيقة، وهذا واقع، فكم من باحث كان بهذا الشكل رأيناه بعد أن ينتهي من بحثه لكن بعدما ينتهي من بحثه يتوقف، وإن تقدم خطوة واحدة، فإنه يكون أيضًا عالة على غيره فيها، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يبتكر، أو يجدد، أو يأتي بشيء جديد في مجاله.

ماذا يفعل الباحث إن عجز عن اختيار موضوعه؟ إن عجز الباحث عن اختيار موضوعه بنفسه، فإن ذلك دليل ضعفه أولًا، وبرهان على كسل فكره، وإشارة إلى أنه يستمرئ الاعتماد على غيره وهذا يضره، ولا يفيده في مستقبل أيامه، فماذا يفعل؟ إنه قرأ واستقصى، وعاد النظر في كتب الأدب التي تتصل بالشمول والعمق، واطلع على دوائر المعارف المختلفة، والمصادر القديمة وغير ذلك من الطرق التي يمكنه من خلاله استنباط مشكلة بحثية، يبحث فيها فعل كل هذا، لكنه لم يصل إلى موضوع ما، إذا عجز عن اختيار الموضوع، ولم يتمكن من ذلك فلا مانع من الاستعانة بغيره كالأساتذة المتخصصين أو غيرهم من الباحثين؛ لأن نظرتهم تكون أكثر إحاطة، وأشد عمقًا، والاستعانة بالغير في اختيار الموضوع لها حدود ينبغي أن نفهما فهمًا جيدًا، ويجب ألا يتجاوزها الباحث، وإلا كانت آثارها سلبية. فينبغي ألا تخرج هذه الاستعانة عن مجرد الإضاءة أو الإرشاد، الأستاذ يضيء لك الطريق، يرشدك، وفي النهاية تكون أنت الذي اخترت موضوعك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015