من الظواهر الأدبية التي تثير اهتمامه فيسعى إلى تحديدها وحصرها؛ ليبدأ من حيث انتهى الباحثون الآخرون فيها.
كل هذا يأتي عن طريق الاطلاع، والدراسة، والاستقصاء؛ فتحديد نقطة البداية مهم جدًّا، نقطة البداية هذه تسمى: بمرحلة التوثيق العلمي الذي يتم من خلاله الوقوع على الموضوع والاقتناع به، ويتم ذلك من خلال الاطلاع الواسع على كل ما كتب حول موضوع ما؛ إذ ليس من المعقول أن يقدم الباحث على موضوع من الموضوعات، أو قضية من القضايا الأدبية دون التعرف على ما كتب حولها، أو ما توصل إليه الباحثون الذين تناولوها بصورة مباشرة، أو غير مباشرة. هذا لا يمكن على الإطلاق أن يقبل، بل لا بد أن يقرأ الباحث كل ما كتب حول موضوعه، ويتعرف على ما توصل إليه الباحثون.
إن التريث والصبر في اختيار موضوع البحث، واعتماد الباحث على نفسه في اختياره يزيد من مدى فهمه لمشكلته، ويسهل عليه المضي في بحثه بشكل جيد، ويمكنه من تحديد أهدافه، ووضع خطته، وصياغة فرضياته، ثم في النهاية التوصل إلى نتائج تتسم بالدقة والمصداقية. وقد ثبت بالتجربة أن الباحث الذي يختار موضوعه بنفسه، ويتعايش معه، وينشأ لون من الألفة بينهما يكون هذا الباحث أسرع إنجازًا، وأصدق حكما من الباحث الذي يأخذ موضوعًا معدًّا أي: جاهزًا يفرض عليه من قبل غيره كأساتذته، أو زملائه، أو أي أحد سواه.
ومن صفات الباحث الجيد أيضًا: الاستقلالية في الفكر والرأي، واختيار الباحث موضوعه بنفسه منذ البداية يربي في نفسه تلك الاستقلالية التي نشهدها في الباحثين الجادين. أما إذا اعتمد على غيره فإنه يفقد هذه الصفة المهمة، ويظل عالة على غيره دائمًا، وقد شبه الدكتور شوقي ضيف -يرحمه الله- تلك الفئة