حتى يستطيع استنباط ما فيها من قيم فنية وجمالية وفكرية مختلفة، وأن يكون ملمًا بالحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها؛ حتى يستطيع توجيه النص توجيهًا صحيحًا، وتحديد اتجاه الأديب تحديدًا دقيقًا ولا يجنح إلى التأويل والافتراض القائم على الظن، ولا بد أن يكون الباحث أيضًا ملمًّا بفنون الأدب وقضايا النقد، ومناهج البحث فيهما مدركًا لشتى الاتجاهات والمذاهب الأدبية والنقدية الحديثة؛ لأن ذلك يمكنه من وضع النص وصاحبه في المكان الصحيح. ولا شك في أن ذلك كله وغيره مما ذكرنا يؤثر في اختيار الموضوع، فلو كان هناك باحث لا يملك الاستعداد لتذوق الفن الأدبي فكيف يتعامل مع النص، لا بد أن يتعرض له، كيف يتعامل مع النص وهو ليس عنده قدر من التذوق الفني له؟ كيف يطبق المناهج البحثية التي أشرنا إليها سابقًا من خلال تعامله مع النص وهو لا يستطيع أن يتذوقه؟ كيف يصدر حكمًا على شيء لا يستطيع تذوق ما فيه من قيم جمالية وغيرها؟ هذا بالنسبة للتذوق الذي اشترطناه في الباحث.
أما بالنسبة لإمامه بفنون الأدب، أو بالحياة الثقافية أو بالاتجاهات والمذاهب الأدبية في عصر ما، فكيف يتأتى لباحث غير ملم بفنون الأدب بالحياة الثقافية، أو بالاتجاهات والمذاهب الأدبية في عصر ما لمثل هذا الباحث أن يعالج مشكلة في فنون الأدب؟ أو يعالج قضية أدبية لها علاقة بالحياة الثقافية، أو يتحدث عن مذهب أدبي في عصر من العصور، لا يمكنه ذلك بحال من الأحوال. وبالتالي، لا يمكنه اختيار موضوع يتصل بهذه الجوانب. من أجل ذلك، اشترطنا هذه الشروط في الباحث الأدبي. وينبغي للباحث أن يختار موضوعه بنفسه عن طريق الاطلاع الواسع المدقق، والدراسة المتعمقة المتأنية، والوقوف على دراسات السابقين وبحوثهم. فكثيرًا ما يجد الباحث في القراءة ميادين متعددة، قد تكون بعيدة عن اهتماماته لكنها تساعده بطريقة ما في الاستبصار بموضعه الذي سيبحث فيه، ومن خلال القراءة والتقصي يعثر الباحث على مشكلة ما، أو قضية من القضايا، أو ظاهرة