علماء أجلاء كانت لهم مثل تلك الإشارة، من هؤلاء العلماء: الأديب الجليل القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، سوف أعرض عليكم فقرة قصيرة أو فقرتين نتأملهما، وسيتضح لنا من خلال هاتين الفقرتين: أن الرجل كانت له رؤية نفسية وهو يتناول هذه القضية، يقول عند حديثه عن اختلاف الشعراء باختلاف الطبائع: "وقد كان القوم يختلفون في ذلك، وتتباين فيه أحوالهم، فيرق شعر أحدهم، ويصلب شعر الآخر، ويسهل لفظ أحدهم، ويتوعر منطق غيره، وإنما ذلك بحسب اختلاف الطبائع، وتركيب الخلق، فإن سلامة اللفظ تتبع سلامة الطبع، ودماثة الكلام بقدر دماثة الخلقة".

الرجل يشير في هذه الفقرة إلى أثر الطبائع والغرائز البشرية في الأدب، وذلك عماد المنهج النفسي الحديث حين تتبعه للعمل الأدبي، كما نلمح ذلك أيضا عند حديثه عن مواقع الكلام، وأن الصورة قد تكون جيدة، ولا أثر لها في النفس، وقد تكون أقل جودة، لكنها تمتزج بالنفس امتزاجا، يقول: "وأنت قد ترى الصورة تستكمل شرائط الحسن، وتستوفي أوصاف الكمال، ثم تجد أخرى دونها في انتظام المحاسن، والتئام الخلقة، وهي أحظى بالحلاوة، وأدنى إلى القبول، وأعلق بالنفس، وأسرع ممازجة للقلب، ثم لا تعلم وإن قاسيت، واعتبرت، ونظرت، وفكرت لهذه المزية سببا" يشير الجرجاني في هذه الفقرة إلى آثر العمل الأدبي في نفس المتلقي، وهذا يمثل أحد جوانب المنهج النفسي الحديث.

ونلحظ مثل هذه الإشارات النفسية عند أبي هلال العسكري، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي الفرج الأصفهاني، وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين أتحفوا المكتبة العربية بتراثهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015