من خلال هذا العرض نستطيع القول: إن المنهج النفسي لم يغب عن خاطر العرب القدامى حين تصنيف علومهم، وأنهم بحثوا على أساسه كثيرًا من قضاياهم، وتوصلوا إلى نتائج مثمرة، وإذا كانوا لم يعرفوا المصطلح بلفظه، فقد عرفوه بصفاته. ومن ثم، فإن الفضل يرجع إليهم؛ لسبقهم، وإلى المحدثين؛ لتقنينهم وتنظيمهم، واختيارهم للمصطلح، وضبطهم لأصول المنهج، هذا بالنسبة لمعرفة القدماء بهذا المنهج، وبيان حقيقة المنهج النفسي، وعلاقة النفس بالأدب.
أما عن نشأة هذا المنهج، وتتطوره في العصر الحديث: فالحقيقة، أن المصطلح لم يظهر إلا في عصر النهضة الأوربية بعدما تخطى الأوربيون عقبة الجهل والتخلف في العصور الوسطى، ثم اطلاعهم على الآداب اليونانية والرومانية، وتأثرهم بالتراث العربي، وتطوريهم للنظرية النفسية، بعدما تم لهم ذلك شاع بينهم هذا المصطلح الذي ابتكروه، وقننوا له، ونظروا.
ويعد "كلوريدج" أول من أشار إلى هذا المنهج عندما تحدث في كتابه (سيرة أدبية)، وقد نشر كلوريدح هذا الكتاب عام 1817م. تحدث هذا الرجل عن الشعر والعلم، وفرق بينهما، وبين دور العاطفة في الشعر، وتنبه لنظرية اللاشعور التي يجتاز فيها الشاعر حدود العقل الواعي.
كل ذلك أشار إليه كلوريدج في كتابه (سيرة أدبية). ولم تتضح معالم ذلك المنهج، ويصطبغ بصبغة علمية إلا على يد فرويد عام 1899م، عندما نشر كتابه (تفسير الأحلام)، وتحدث فيه عن الفن والفنان، ورأى أن الإبداع في حقيقته