حتى ينفتق لسانهم ويسيل عليه ينبوع الشعر، يعني يتعلمون كيفية النظم واختيار الكلمات والأوزان والقوافي من خلال الحفظ.
ويمثل هؤلاء الشعراء المحترفون: أوس بن حجر التميمي، وزهير بن أبي سلمى، والحطيئة، وهدبة بن خشرم، وغيرهم كثير من الشعراء في ذلك العصر، ومن هذه الطبقة أيضًا -طبقة الشعراء المحترفين- شعراء لكنهم ليسوا محترفين، جمع بينهم النسب، يعني ينتمون إلى قبيلة واحدة، يروي خلفهم شعر سلفهم، حتى يظل شعر القبيلة محفوظًا لديهم؛ لأنه -كما أشار ابن رشيق- يحمل مفاخرهم وأخبارهم وأحسابهم وأنسابهم، ويخلد مآثرهم، فكانوا يروون الشعر لخلفهم جيلا بعد جيل، ويمثل هؤلاء الشعراء: الأعشى، الذي كان يروي شعر خاله المسيب بن عَلَس، وأبو ذؤيب الهذلي الذي كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي، وطرفة بن العبد الذي كان يروي للمرقش الأصغر عمه وخاله المتلمس.
ومن هذه الطبقة الأولى -أي طبقة الشعراء- شعراء لم يجمع بينهم نسب، ولم تجمع بينهم حرفة الفن الشعري، وإنما جمع بينهم سلوك معين في الحياة، فكان يروي بعضهم عن بعض، كالشعراء الصعاليك مثلا، حيث كان يأخذ بعضهم عن بعض، كما نلاحظ عند تأبَّطَ شرا والشنفرى، وأبي دؤاد الإيادي، وزيد الخيل.
الطبقة الثانية من طبقات الرواة الذين قاموا بدور كبير في حفظ ذلك التراث الأدبي: هم أفراد القبيلة أنفسهم، أفراد كل قبيلة كانوا يحرصون على حفظ أشعار الشعراء، الذين ينتمون إلى هذه القبيلة وروايتها؛ لأنها تسجل مناقب قومهم، وانتصاراتهم في حروبهم، كما تسجل مثالب أعدائهم، فكان أفراد القبيلة جميعًا -شعراء وغير شعراء- يحفظون هذه الأشعار، وتنتقل من جيل إلى جيل عبر الأجيال المختلفة.
أما الطبقة الثالثة فيمكن تسميتها: طبقة الحفظة، وهم الذين كانوا يرتادون المحافل والأسواق، وينشدون الأشعار التي يروونها عن جميع الشعراء، لا يلزمون