وتسجيل الوقائع التي كان الرواة يحرصون على تلقينها لمن يصغرهم، أو لأبنائهم، أو لمن يقوم بهذه المهمة في الأعصر التالية.

وقد فرضت البيئة الجاهلية على العرب استخدام الرواية كوسيلة لحفظ تراثهم ونشره، بمعنى أن العرب في العصر الجاهلي -خاصة- لم يكن لديهم من الوسائل المتاحة غير وسيلة الرواية الشفوية، صحيح الكتابة كانت موجودة لكنها نادرة، ومن الصعب الحصول على أدواتها التي يستعان بها في الكتابة، كان ذلك صعبًا، وكان الله سبحانه وتعالى قد منح العربي قدرة على الحفظ، هذه طبيعة العربي وتلك عاملا مساعدًا، كون الله سبحانه وتعالى ميز الأعرابي بهذه الذاكرة القوية، وذلك القدر من الذكاء وصفاء الذهن، مكن العربي من الاستعاضة عن الكتابة بهذا القدر من الحفظ والاستذكار والنقل.

والعرب كانوا يحرصون على ذلك حرصًا شديدًا، فيقول ابن رشيق القيرواني في كتاب (العمدة): "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج". إن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على عناية العرب بهذا التراث الأدبي؛ لأنه يسجل أحسابهم وأنسابهم ومفاخرهم، ومآثرهم ومثالب أعدائهم. وكان الرواة في الجاهلية طبقات:

الطبقة الأولى: وهم الشعراء، ومنهم الشعراء المحترفون الذين تجمع بينهم حرفة الفن الشعري، يعني يمتلكون الموهبة الشعرية، وهي التي تجمع بينهم. فكان هؤلاء الشعراء المحترفون يلزمون شاعرًا بعينه أو غيره من الشعراء، ويروون عنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015