شاعرا بعينه ولا قبيلة بعينها، وإنما كانوا يحفظون عن كل الشعراء، ويؤثرون الأشعار التي تسجل المآثر والمثالب، والأحساب والأنساب والأيام والأخبار، وكان هذا شاغلهم ولم يكن لهم شاغل سواه، وهم الذين قال عمر بن الخطاب فيهم: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه"، فكانوا يحرصون -هذه الطبقة من الرواة- على إذاعة هذه الأشعار، ونقلها من بيئة إلى بيئة ومن قبيلة إلى قبيلة، ومن بلد إلى بلد، فذاعت وانتشرت، وتنوقلت على الألسن، وحفظتها الذاكرة عبر الأجيال المختلفة.
هذا بالنسبة للعصر الجاهلي، وظلت هي الأداة المستخدمة كما رأينا في حفظ الأشعار، أو التراث الأدبي عمومًا، ثم ظهر الإسلام، وبعد ظهوره استمرت رواية الشعر، وأجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وكان كثيرا ما يستنشد الصحابة شعرًا -رضي الله عنهم، كما شجع عليه صحابةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر النسابة -رضي الله عنه- وكان راوية للشعر، وكذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، ثم زادت الحاجة إلى الرواية بعد إنشاء الدواوين في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه؛ إذ كانوا يرجعون إلى الرواة لمعرفة الأنساب؛ لأنها كانت تقوم بدور مهم في رواتب الجند الفاتحين، وفي مراكز القبائل بالمدن الجديدة مثل: البصرة والكوفة، ولم تعد الرواية قاصرة على الشعر فقط في عصر صدر الإسلام، وإنما اتسعت لتشمل القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، معنى ذلك أن الرواية كانت تمثل أداة مهمة في حفظ التراث الأدبي في عصر صدر الإسلام، بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.
وظل الحال على ذلك طوال عصر صدر الإسلام، ثم قامت الدولة الأموية، وكانت نزعتها عربية خالصة، فعملت جاهدة على حفظ هذا التراث، واستخدمت الرواية وسيلة لهذا الحفظ، واهتم خلفاء بني أمية بذلك اهتمامًا لا حد له، كما فعل معاوية وعبد الملك بن مروان وغيرهما من الخلفاء، إذ كانوا