إلى قوةٍ في اللغة، وقد أكثر منه بديع الزمان الهمذاني.
وإذا لم يلتزم الكاتبُ السَّجْعَ، وكان كلامُه تَرَسُّلاً، حَسُنَ أن يأتيَ في أثنائه بهاته الكيفيَّات كلِّها بلا قيد. وأقسامُه وتفاريعها كثيرةٌ تَكفَّلَتْ ببيانها كتب البديع، وهو يدلُّ على مقدرةِ الكاتب إذا جاء في غاية الحُسْن غير متكلَّف؛ لأنه يُؤْذِن بسَعَة صاحبه في استحضار ما يريد من المفردات اللغوية، وبجودة قريحتِه في تطبيق المعاني على الأسجاع، ولكنه لا يحسُن إلا في مواقعه من الرَّسَائل، والدِّيبَاجات، والأشياء المقروءَة، والأمثال، والحِكَم التي يُرَاد تناقلُها وتعلُّقها بالأذهان، ولذلك يحسُن في بعضِ الجُمَل من الخُطَب، وهو ما كان مَوْضِعَ حكمةٍ أو موعظة، وليس قولُ الشيخ عبد القاهر في مقدمة (أسرار البلاغة): "إن الخُطَب من شأنها أن تُعتمَد فيها الأوزان والأسجاع، فإنَّها تُروَى وتُتَنَاقَلُ تناقلَ الأشعار" =إلا ناظرًا لذلك كما يُلَوِّح إليه تعليلُه، وإلا فهو لا يَجْهَلُ أنَّ جُلَّ الخطب النبوية وخطب السلف والعرب كانت غيرَ مشتملةٍ على الأسجاع إلا قليلاً.
ولا يحسُن السَّجْعُ في البَدَائِه والارتجالات؛ لأنَّه يصرِف الذِّهْنَ عن المحافظة على المعنى، بخلاف الكاتب فإنه في سَعَةٍ من أمره، ولهذا لا نَجِدُ السَّجْعَ كثيرًا في كلام العرب ومَنْ يليهم ممن كانوا لا يُزَوِّرُونَ الكلامَ مِنْ قبل، وما يُرَى في (نهج البلاغة) من الخطب المنسوبة لسيِّدنا علي - رضي الله عنه - من هذا النوع فهو من موضوعات أدباء الشيعة كما هو مشهور.