السَّجْعُ والتَّرَسُّلُ

لما جرى الكلام على السَّجْع والتَّرَسُّل، وكان السَّجْعُ من أشهر طرق الإنشاء، حتى ظنَّه كثيرٌ من الناس الإنشاءَ كلَّه، وجب أن نُشير إلى حقيقته، وشيءٍ من أقسامه ومحامده ومعايبه، والمفاضلة بينه وبين التَّرَسُّل، قال ابن الأثير في (المثل السائر): "السَّجْعُ: تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حَرْفٍ واحد، والأصلُ فيه الاعتدال في مقاطع الكلام، ولكن لا يكمُل السَّجْع إلا إذا كانت ألفاظُه غيرَ غَثَّةٍ ولا باردة، والمعنيُّ بـ (الغَثَّة الباردة) أنَّ صاحبَها يصرِف نظرَه إلى السَّجْع من غيرِ نظرٍ إلى المفردات وما يُشترَط لها، وإلا لكان كلُّ أديبٍ سَجَّاعًا، بل هناك مطلوبٌ آخر وهو أن يكون اللفظُ فيه تابعًا للمعنى، فإنك إذا صَوَّرْتَ في نفسك معنى، ثم أردت أن تَصُوغَه بلفظٍ مسجوعٍ ولم يُوَاتِكَ إلا بزيادة في اللفظٍ أو نقصانٍ منه، فإذا فعلتَ ذلك فهو الذي يُذَمُّ من السَّجْع، لِمَا فيه من التكلُّف، وأما إذا كان محمولاً على الطَّبْع غير متكلَّف فإنه يجيءُ في غاية الحُسْن".

وأحسنُه ما تساوت فواصِلُه أو تقاربت في طُولٍ لا يَقْطَعُ النَّفَس، ولا يقصر عن أربع كلمات، أو يقاربها كثلاثٍ طِوال، ويُغتفَر أن تكون الفاصلةُ الثانية أطولَ من الأولى، والقبيحُ ما طالت فاصلتُه الأولى وقَصُرت الثانية، والمتوسِّط ما تقَاصَرَتْ فواصلُه جِدًّا، وإن كان مُحتاجًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015