التدرُّب بالخَطَابة

قد قَدَّمْنَا في قسم الإنشاء أنَّ أَجْدَرَ بالغٍ بالمَرْء إلى إتقان هذه الصِّناعة هو التدَرُّب والتمرُّن، ولا شكَّ أنَّ الخطابةَ إلى ذلك أحوج، وهي به أعلق، فإنَّ لصاحبها فضلَ احتياجٍ إلى بَدَاهَة القول وحُسْن العِبَارة، ولا يكاد ينال ذلك إلا بالتمرُّن عليها، وإلا كان عَالةً على ما حَرَّره المتقدمون، أو التزم كُلَيْمَاتٍ يُعِيدُها أينما حَلَّ، وقد حكى الجاحظ عن محمد بن سليمان أنه كان ملتزمًا خطبةً يوم الجمعة لا يغيِّرها.

ويظهر أن أصول التدرب على الخطابة خمسة أمور:

أولها: ضَبْطُ الغَرَض المرادُ التكلُّم فيه، وذلك بتصوُّرِه وتصوُّرِ الغاية منه، وحسن تفهُّمِه، وإتقانه، والإحاطة بِمُهِمِّ ما ينبغي أن يقال فيه من المعاني، ولا يهتم بالألفاظ إلا بعد ذلك؛ لأنَّه إن ابتدأ بانتقاء الألفاظ ضاعت عنه المعاني.

ثانيها: التَّكرير؛ ليرسخ، إما بإعادة الفكرة فيه المرَّة بعد الأخرى، وإما بمذاكرة الغير فيه، والتنبُّه لِمَا عسى أن يكون قد أغفله؛ فإنَّ ما بين الرأيين رأيًا، ولأنه بالمذاكرة يرى المتكلِّم هل بلغ إلى حَدِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015