التأثير في السامعين حتى إن لم يَرَ منهم التأثيرَ عَلِمَ أنه لم يُتقِن الغرض، ولم يَقتُلْه تعبيرًا.
ثالثها: اختيار ساعة نشاط البال، كما ذكر أبو هلال العسكري، والجاحظ عن بشر بن المعتمر أنه قال لمن عَلَّمه الخطابة: "خُذْ مِنْ نفسِك ساعةَ نشاطِك، وفراغِ بالك، فإنَّ نفسَك تلك الساعة أكرمُ جوهرًا، وأشرفُ حَسبًا، وأحسن في الأسماع، وأسلم من فاحش الخطأ. واعلم أنَّ ذلك أجدى عليك مما يُعطيك يومُك الأطولُ بالكَدِّ والمطاولة، ومهما أخطأَكَ لم يُخطِئْكَ أن يكون مقبولاً وخفيفًا على اللسان، كما خرج من يَنْبُوعِه، ونَجَم من مَعْدِنِه". رابعها: تدريبُ القُوَّة الذاكرة، وذلك بتجنُّبِ الاعتماد على الكتابة بقدر الاستطاعة، وقد يعسُر ذلك على المَرْء بادئَ بَدْءٍ فَيُغْتَفَرُ حينئذٍ الاعتمادُ على الكتابةِ، على شَرْطِ أن يأخذَ في الإقلالِ عن الكتابة تدريجًا، فيكتب عُقَدَ الموضوع كالفِهْرس، ويشير عندها إلى خُلاصَة الأمثلة، وإذا أخذ في استحضار أوَّل خُطبته فإنه إن استرسل فيها جَاءَتْه البقيَّةُ طَوْعًا، ومع ذلك فقد قيل: إنَّ الذي يعتمد على ذاكرته تُلَبِّيه مُسْرِعةً. وإذا قُدِّرَ لبعض الخطباء كتابةُ مفكِّرَاتِ الخطبة، فمن المستحسَن أن لا يُحضِرَها معه وقتَ الخطابة، ولكن من الخطباء من يضطرُّ إلى ذلك لِضَعْفِ ذاكرتِه، ولا ضَيْرَ في ذلك إذا لم يَكْثُر تردُّدُ بَصَرِه عليها.
خامسها: المواظبَة، فيُشترَط في الخطيب أن يكون غيرَ هَيَّابٍ ولا وَجِلٍ من تكرير التكلُّم، وعَدَمُ الاكتراث في أول الأمر بالإِجَادَة، وقد عَرَفْتَ ما نُقِل عن عمرو بن سعيد الأشدق، وعن ديموستين -الخطيب اليوناني- إذ كان كلٌّ منهما في أوَّلِ أمرِه عَيِيًّا فعَالَجَ بالمواظبة