و قال تعالى في شأن جهنم: [كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك: 8 – 11. (4)

و هذه الحكمة إنما تستدعي إعادة الأجزاء التي تؤدي الشهادة و ذلك عند أدائها فلا يلزم أن تعاد في كل بدن جميع أجزاءه ثم تبقى خالدة معه، بل إذا فرضنا أجزاء معينة قد دخلت في تركيب عدة أبدان في الدنيا على التتابع بأن كانت في هذا البدن، ثم صارت من ذاك البدن و هلم جرا، و اقتضت الحكمة أن تؤدي الشهادة يوم القيامة في كل بدن من تلك الأبدان بما فعل، فإن ذلك يمكن بأن تحشر أولا كما شاء الله تعالى إما في بدن واحد، و إما متفرقة في تلك الأبدان، (5) ثم إذا حوسب أول من أصحاب تلك الأبدان جمعت تلك الأجزاء في بدنه ثم أدت الشهادة فارقته إلى بدن أول من يحاسب بعده من أصحاب تلك الأبدان و هكذا حتى تستوفي تلك الأبدان كلها التي دخلت فيها و قضت الحكمة باستشهادها على أصحابها. و قد يشير إلى هذا قوله تبارك و تعالى: [يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا

فَاعِلِينَ] الانبياء: 104 و قوله سبحانه: [كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ] الأعراف: 29. اهـ

الهوامش:

1) أقول: و المعروف الآن علماء عند علماء الحياة (البيولوجيا) و وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) و التشريح الدقيق أن بدن الإنسان بله الحيوان في تبدل دائم حتى إنهم حددوا مدة تبدل البدن كله بسبع سنوات و مع هذا فمن ارتكب جرما و قتا ما، ثم عوقب عليه بعد مدة تبدلت فيها خلايا بدنه بغيرها لا يقال عرفاً و لا عقلاً و فطرة أن المعاقب غير المجرم، فمن قتل مثلاً في شبابه و أقتص منه في هرمه و شيخوخته فما عوقب إلا الجاني و إن تبدل باتفاق الباحثين في علم الحياة و وظائف الأعضاء، و هذا يدل على أن الإنسان شخصية تعقل و تريد و تعمل و تحسن و تسئ راكبة مطية البدن لابسة ثياب الأعضاء فمهما تبدلت المراكب و الثياب فالشخص هو الشخص على أي مركب ركب و بأي ثوب ظهر. و الله أعلم. م ع

2) ليتك قلت ذلك في حديثه عن أبي وائل عن ابن مسعود السابق في تفسير الصمد و لم تمل إلى تضعيفه مع أنه ربما كان أصح مما صححت في تفسير ((الصمد)) و إن كان لا يخالفه بل يتلازمان و يتظاهران على توضيح المراد. م ع

3) لو رددنا حديث كل مدلس لرددنا جمهرة طيبة مباركة من السنة التي قبلها الأكابر و نشروها و عملوا بها، و الذي يظهر من عمل المحققين من أئمة السنة إلى مراتب الجرح و لتعديل عند التعارض (!) ليأخذوا بالأرجح الأقوى إن لم يمكن الجمع، و حديث أبي الزبير هذا ليت شعري ما الذي عارضه من رواية من هم أرجح منه حتى نشكك فيه و روايته محشو بها (البخاري) مكتظ بها (مسلم) و غيره فضلاً عن بقية دواوين السنة كأبي داود و الترمذي و غيرهم من أصحاب الصحاح و السنن و المسانيد. م ع

قلت: يبدوا لي في كلام فضيلته ملاحظات:

1 – التسوية بين تدليس الأعمش و تدليس أبي الزبير في التسامح بهما ليس بجيد، لأن تدليس الأول قليل، و تدليس الآخر كثير، و لذلك أحتج الشيخان بالأعمش، و لم يحتج بأبي الزبير غير مسلم منهما، أورده الحافظ في المرتبة الثانية من ((طبقات المدلسين))، و هي – كما ذكر في المقدمة – مرتبة من احتمل الأئمة تدليسه، و أخرجوا له في ((الصحيح)). ثم أورد أبي الزبير في المرتبة الثالثة، و هي مرتبة من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع كأبي الزبير الملكي. ثم أورد في هذه الطبقة و قال: ((مشهور بالتدليس)).

2 – قوله في أبي الزبير: ((و روايته محشوا بها (البخاري))). ليس بصواب، فإن البخاري لم ينسد له غير حديث واحد متابعة غير محتج به! قال الحافظ ابن حجر في ((مقدمة الفتح)) (2/ 126): ((لم يروا البخاري رحمه الله سوى حديث واحد في ((البيوع))، قوله بعطاء عن جابر، و علق له عدة أحاديث))

و مسلم و إن كان أحتج به، فقد قال الذهبي في ترجمته من ((الميزان)):

((و في ((صحيح مسلم)) عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر، و لا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء)). ن

4) و من الحكم في البعث ما ذكره الله تعالى أنه تصديق لما أخبرت به رسله، و فضح و توبيخ لمن كذب رسله كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُم) – إلى أن ذكر جزاء المؤمنين بها و المكذبين لها ثم قال – (و يرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق و يهدي إلى صراطٍ مستقيم) و قال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). م ع

5) تكلف المؤلف القول بحشر أجزاء كل بدن في بدن واحد أو في أبدان متعددة و ما يلي ذلك من أدائها شهادتها في بدن واحد أو أبدان متعددة هو النظر المتعمق فيه الذي ذمه المؤلف كثيراً و ذكر ما نشأ عنه من مفاسد و شبهات أبعدت المتكلمين عن تصديق الكتاب و السنة فما كان أحراه أن يبتعد عما ذم غيره عليه و خير ما قاله سابقاً أن البدن آلة الروح يحي هذا الإشكال و لا حاجة إلى التعمق، قلت أنا أن البدن مطية الشخصية الإنسانية و ثيابها و ما أبلغ أن يشهد على الإنسان مطيته و ثيابه قديمة أو جديدة لبسها غيره قبله أو اختص هو بلبسها، الحجة قائمة في شاهد عليك منك. و الله أعلم. م ع

رابط الكتاب http://www.waqfeya.com/book.php?bid=3929

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015