21).

ولا يكتفي الشعراويُّ بما سبقَ بلْ يرى:

أ - أنَّ العلماءَ لمْ يفطنوا إلى أنَّ العناصرَ الخامَّ في ذاتِها لا تتميّزُ، ولا تتميّزُ ذرّاتُها.

أجلْ، العلماءُ لمْ يفطنوا، وأمّا هوَ فإنَّهُ الفطينُ الفهيمُ! .. إنَّهُ "سوبَرْ أيْنِشْتايْن"! .. إنَّهُ "سوبَرْ فهمانْ"!

ب – ويعتبرُ أنَّ الشخصَ يزيدُ في الوزنِ وينقصُ ولكنَّ النسبَ بينَ عناصرِهِ تبقى ثابتةً. ففي أيِّ المختبراتِ أثبتَ الشيخُ الشعراويُّ هذا الاكتشافَ العظيمَ؟

لقدْ تحدّثَ عنِ النسبِ ولكنَّهُ لمْ يحدِّثْنا عنها: هلْ هيَ نسبٌ في عددِ الذراتِ، أمْ هيَ نسبٌ في كتلتِها؟ ..

وينسى الشعراويُّ الفطينُ أنَّ ذراتِ العنصرِ الواحدِ تختلفُ وأنَّها تتميّزُ؛ فهناكَ ما يسمّى النظائر isotopes . ولا أدري كيفَ حكَمَ على وجودِ تمامِ التماثلِ في ذرّاتِ العنصرِ الواحدِ حتّى لوْ لمْ يكنْ هناكَ نظائر .. فما هيَ القوانينُ الفيزيائيّةُ التي جعلتْهُ يحكُمُ بأنَّ ذراتِ العنصرِ الواحدِ لا تتميّزُ؟ .. فهلْ ذرّاتُ الحديدِ كلُّها حتّى لو لمْ يكنْ للحديدِ نظائرُ هيَ متماثلةٌ تمامَ التماثلِ؟ .. هلْ ذرّاتُ الصوديوم جميعاً متماثلةٌ 100% منْ كلِّ ما يتعلَّقُ بها منْ مجالاتٍ مغناطيسيّةٍ وكهربائيّةٍ وقُوىً .. الخ؟ .. ولماذا لا يكونُ لكلِّ ذرّةٍ "شخصيّةٌ" فرديّةٌ؟

حسناً، إنَّ الشعراويَّ يردُّ على حجّةِ منكري البعثِ بافتراضاتٍ مرجومةٍ بالغيبِ، بافتراضاتٍ هيَ ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ إذا نظرتَ إلى عقلِهِ بينَها لمْ تكدْ تراهُ .. فهلْ كانَ عقلُهُ في سفرٍ في بلادِ واقِ الواقِ؟ .. أم هلْ كانَ عقلُهُ معهُ؟ أمْ هوَ - أصلاً - منَ الذينَ يعقلونَ؟

أجلْ، وإنَّ القولَ بالنسبِ يجعلُ هناكَ قابليّةً لمضاعفةِ الشخصِ. وبناءً على هذهِ القابليّةِ فإنَّهُ يصِحُّ وَفْقَ الشعراويِّ أنْ يبعثَ اللهُ تعالى أحَدَ الناسِ وهوَ في مثلِ كتلةِ جبلِ أُحُد، أوْ جبلِ إفرست، أوْ جبلِ "الشيخ" ..

وبعدَ أنْ مررْنا بأقوالِ الشعراويِّ وبعضٍ منْ ملاحظاتٍ خفيفةٍ نحيفةٍ فلا بدَّ أنْ ننقلَكَ منْ قاربِنا إلى سفينةِ "ابنِ القيِّمِ الجوزيّةِ"، ومنْ حوضِنا إلى محيطِهِ ليحدِّثَكَ حديثاً يُريكَ أنَّ ما يقولُهُ الشعراويُّ هوَ إنكارٌ للبعثِ، ومنكرُ البعثِ كافرٌ بلا خلافٍ .. فماذا يقولُ ابنُ القيِّمِ منَ الكلامِ القيِّمِ؟

يقولُ: "ودلّتِ الآياتُ صريحاً على أنَّ اللهَ سبحانَهُ يُعيدُ هذا الجسَدَ بعينِهِ الذي أطاعَ وعصى فينعِّمُهُ ويعذّبُهُ، كما ينعمُ الروحَ التي آمنتْ بعينِها، ويعذّبُ التي كفرتْ بعينِها، لا أنَّهُ سبحانَهُ يخلقُ روحاً أخرى غيرَ هذهِ فينعمُها ويعذّبُها كما قالَهُ مَنْ لمْ يعرفِ المَعادَ الذي أخبرتْ بهِ الرسلُ، حيثُ زعَمَ أنَّ اللهَ سبحانَهُ يخلقُ بدناً غيرَ هذا البدنِ منْ كلّ وجهٍ، عليهِ يقعُ النعيمُ والعذابُ، والروحُ عندَهُ عرَضٌ من أعراضِ هذا البدنِ فيخلُقُ روحاً غيرَ هذهِ الروحِ وبدناً غيرَ هذا البدنِ، وهذا غيرُ ما اتفقتْ عليْهِ الرسلُ ودلَّ عليْهِ القرآنُ والسنةُ وسائرُ كتبِ اللهِ تعالى، وهذا في الحقيقةِ إنكارٌ للمعادِ وموافقةٌ لمن أنكرَهُ منَ المكذّبينَ، فإنّهم لم ينكروا قدرةَ اللهِ على خلقِ أجسامٍ غيرِ هذهِ يعذّبُها وينعمُها. فتعجبوا أنْ يكونوا همْ بأعيانِهم مبعوثينَ للجزاءِ، ولوْ كانَ الجزاءُ هوَ لأجسامٍ غيرِ هذهِ لمْ يكنْ ذلكَ رجعاً ولا بعثاً بلْ يكونُ ابتداءً، ولمْ يكن لقولِهِ: "قدْ علمنا ما تنقصُ الأرضُ منهم" كبيرُ معنىً فإنَّهُ سبحانَهُ جعلَ هذا جواباً لسؤالٍ مقدَّرٍ وهوَ أنَّهُ يميّزُ تلكَ الأجزاءَ التي اختلطتْ بالأرضِ واستحالتْ إلى العناصرِ بحيثُ لا تتميّزُ، فأخبرَ سبحانَهُ أنّهُ قدْ علمَ ما تُنقصُهُ الأرضُ منْ لحومِهم وعظامِهم وأشعارِهم، وأنَّهُ كما هوَ عالمٌ بتلكَ الأجزاءِ فهوَ قادرٌ على تحصيلِها وجمعِها وتأليفِها خلقاً جديداً" .. [من كتاب "الفوائد" لابن القيّمِ الجوزيّةِ، منشورات مكتبة المتنبي بالقاهرة، ص7 - ص9].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015