يقولُ الشيخُ الراحلُ: "الذين استبعدوا أمرَ البعثِ مادّيّاً يقولونَ: إنَّ الإنسانَ مكّونٌ منْ عناصرَ وحينما يموتُ تذهبُ عناصرُهُ في الأرضِ. إذنْ فالعناصرُ التي كانت في الإنسانِ الذي ماتَ وشاعتْ في الترابِ سيتكوّنُ منها إنسانٌ آخرُ، فإذا بُعِثَ: أيُبعثُ منَ الأولِ أم يُبعثُ منَ الثاني؟ فإنْ بُعِثَ منَ الأولِ نقصَ منَ الثاني، وإنْ بُعثَ منَ الثاني نقصَ منَ الأول .. وهكذا دواليْك" ..
---[محمد متولي الشعراوي، "المنتخب من تفسير القرآنِ الكريمِ"، دار العودة، بيروت، طبعة أولى، جزء 2، صفحة 119].
حاولَ إبطالَ الشبهةِ فوقعَ فيها
لقدْ أرادَ الشيخُ الشعراويُّ أنْ يثبتَ فهلويّةً فريدةً يقضي بها على حججِ المنكرينَ للبعثِ فإذا بهِ – حسبَ ابن القيّمِ رحمَهُ اللهُ تعالى – منَ المنكرينَ للبعثِ. فماذا يقولُ الشيخُ الشعراويُّ في "إفحامِ" منكري البعثِ؟
يقولُ، ويا ليتَهُ ما قالَ: "فاختلافُ الشخصيّاتِ إنَّما ينشأُ منَ اختلافِ نِسَبِ العناصرِ، فنسبُ العناصرِ حينَ تكونُ معلومة بالدِّقةِ، ولا يتّفقُ شخصٌ معَ شخصٍ في نسبةِ العناصرِ أبداً. إنْ جئتَ بمائةِ مليونِ شخصٍ وحلَّلْتَ عناصرَهم لا تجدُ شخصاً متّفقاً معَ شخصٍ في نسبةِ العناصرِ، وإنِ اتفقَ معهُ في مجموعةِ تلكَ العناصرِ. إذنْ، فالمُعوَّلُ عليهِ لشخصيّاتِ كلِّ فردٍ هيَ النسبةُ المكوّنةُ لعناصرِهِ ..
واختلافُ الشخصياتِ إنَّما ينشأُ لا منَ اختلافِ العناصرِ المكونةِ لها بلْ منَ اختلافِ النسبِ الموجودةِ في تلكَ العناصرِ، وباختلافِ النسبِ تختلفُ الشخصياتُ. فحينَ يأمرُ اللهُ بإعادةِ التراكيبِ، تأتي عناصرُ كلِّ إنسانٍ فتكوِّنُهُ، أيْ نسبةُ وجودِها فيهِ، وبذلك تكونُ الشخصيّاتُ مختلفةً وتعبّرُ عنِ الشخصيةِ، فإذا تكونت العناصرُ بنسبةِ تكوينِها الأولِ كانَ ذلكَ هوَ الشخصَ".
ملاحظات على كلامِ الشعراويِّ
1 - كلامُهُ مرجومٌ بالغيبِ، ومُلقىً على عواهنِهِ، مجرّدُ تخبيصاتٍ وتهجيصاتٍ .. خبابيصُ لبابيصُ!
2 - يفترضُ أنَّ الإنسانَ يموتُ وفي تركيبِ جسمِهِ ذرّاتٌ كانتْ في جسمِ إنسانٍ قدْ سبقَهُ إلى الموتِ .. وأكبرُ منْ هذا جريمةً، هوَ أنَّ البعثَ عندَهُ هوَ منْ ذرّاتٍ غيرِ التي تكونُ في البدنِ لحظةَ الموتِ، وهذا معناهُ تغييرُ بدنِ المبعوثِ ببدنٍ آخرَ، وهذا في النهايةِ ليسَ بعثاً وليسَ رجعاً.
المهمُ في اعتقادِ الشعراويِّ هوَ "النسبة"! .. فهلِْ التفسيرُ "سوقُ الحسبة"، حيثُ يبيعونَ "البندورة" بالجملةِ بالمزادِ؟
فكيفَ قرّرَ هذا وذاكَ؟ فما دليلُهُ وبرهانُهُ؟
3 - ويفترضُ أنَّ تحليلَ كلِّ البشرِ لا يعطي تساوياً في نسبِ العناصرِ بينَ أيِّ اثنيْنِ منهم .. فمنْ هوَ ذا الذي حلّلَ مائةَ مليونِ شخصٍ؟
4 - ويفترضُ أنَّ "المُعوَّلَ عليهِ لشخصيّاتِ كلِّ فردٍ هيَ النسبةُ المكوّنةُ لعناصرِهِ" .. فالفردُ عندهُ لهُ شخصيّاتٌ! .. فمنْ أيِّ آيةٍ كريمةٍ أوْ أيِّ حديثٍ شريفٍ استدلَّ الشعراويُّ على هذهِ المقرّرةِ المغرِّرةِ؟ .. مَنْ أنبأهُ بهذا؟ ..
5 - وكأنَّهُ شهدَ البعثَ وعادَ يخبرُنا كشاهدِ عيانٍ إذْ يقولُ: "فحينَ يأمرُ اللهُ بإعادةِ التراكيبِ، تأتي عناصرُ كلِّ إنسانٍ فتكوِّنُهُ، أيْ نسبةُ وجودِها فيهِ، وبذلك تكونُ الشخصيّاتُ مختلفةً وتعبّرُ عنِ الشخصيةِ"! ....
هذا ما عندَ الشعراويِّ: تأتي عناصرُهُ بنسبةِ وجودِها فيه، وليسَ تأتي ذرّاتُهُ التي ماتَ وهيَ في تركيبِ بدنِهِ .. أما كانَ الشعراويُّ مصدِّقاً بقولِ اللهِ تعالى: "قدْ علمْنا ما تنقصُ الأرضُ منهم"؟ .. أليسَ اللهُ بعالمٍ بما تُبليهِ الأرضُ منْ أبدانِهم وتحلِّلُهُ منَ الذرّاتِ التي كانتْ تكوِّنُ أبدانَهم نفسَها حينَ الموتِ؟ .. أليسَ اللهُ تعالى بقادرٍ على أنْ يعيدَ تلكَ الذرّاتِ بعينِها ونفسِها إلى تركيبِ أبدانِهم يومَ البعثِ مهما ضلَّتْ في الأرضِ؟ .. كيفَ تشهدُ جلودُهم عليهم إنْ لمْ تكنْ قدْ أعيدَ تركيبُها منَ الذراتِ أنفُسِها التي كانتْ فيها حينَ الموتِ؟ .. أمْ هلْ يركِّبُ اللهُ تعالى فيها ذرّاتٍ تشهدُ عليهم شهادةَ زورٍ، شهادةَ منْ لمْ يحضرْ ما فعلوهُ؟ "وقالوا لجلودِهم لِمَ شهدتُّم علينا؟ قالوا: أنطقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شيءٍ" (فصلت:
¥