ـ[أبو محمد العمري]ــــــــ[15 - Mar-2009, مساء 08:08]ـ
فائدة لإثراء الموضوع:
قال أبو محمد ابن حزم: ولقد وقفت على هذا مكي بن أبي طالب المقرئ رحمه الله، فمرة سلك هذه السبيل الفاسدة فلما وقفته على ما فيها رجع، ومرة قال بالحق في ذلك كما تقول، ومرة قال لي: ما كان من الاحرف السبعة موافقا لخط المصحف فهو
باق، وما كان منها مخالفا لخط المصحف فقد رفع، فقلت له: إن البلية التي فررت منها في رفع السبعة الاحرف باقية بحسبها، في إجازتك رفع حركة واحدة من حركات جميع الاحرف السبعة أكثر من ذلك، فمن أين وجب أن يراعى خط المصحف، وليس هو من تعليم رسول الله لانه كاأميا لا يقرأ ولا يكتب واتباع عمل من دونه من غير توقيف منه عليه السلام لا حجة فيه، ولا يجب قبوله، وقد صححت القراءة من طريق أبي عمرو بن العلاء التميمي مسنده إلى رسول الله (ص): * (إن هذان لساحران) * وهو خلاف خط المصحف وما أنكرها مسلم قط فاضطرب وتلجلج.
أما عن مذهب ابن حزم في المسألة فأنقله هنا:
((وأما الاحرف السبعة، فباقية كما كانت إلى يوم القيامة، مثبوتة في القراءات المشهورة من المشرق إلى المغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، فما بين ذلك، لانها من الذكر المنزل الذي تكفل الله تعالى بحفظه، وضمان الله تعالى لا يخيس أصلا، وكفالته تعالى لا يمكن أن تضيع.
ومن البرهان على كذب أهل الجهل وأهل الافك على عثمان رضي الله عنه في هذا أنبأناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني، نا إبراهيم بن أحمد البلخي، نا الفربري، نا البخاري نا أمية - هو ابن بسطام - نا يزيد بن ربيع عن حبيب بن
الشهيد عن ابن مليكة عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * قال قد نسختها الآية الاخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي: لا أغير شيئا منه من مكانه.
وبه إلى البخاري، نا موسى بن إسماعيل، نا إبراهيم، حدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق.
فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أم المؤمنين، أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بهما إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
فهذان الخبران عن عثمان، إذا جمعا صححا قولنا وهو: أنه لم يحل شيئا من القرآن عن مكانه الذي أنزله الله تعالى عليه، وأنه أحرق ما سوى ذلك مما وهم فيه واهم، أو تعمد تبديله متعمد.
نا عبد الله بن الربيع التميمي، نا عمر بن عبد الملك الخولاني، نا أبو سعيد الاعرابي العزي، نا سليمان بن الاشعث، نا محمد بن المثنى، نا محمد بن جعفر، نا
شعبة عن الحكم عن مجاهد، عن أبي ليلى، عن أبي بن كعب أن النبي (ص) كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.
فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، إن أمتي لا تطيق على ذلك، ثم أتاه
الثانية فذكر نحو هذا حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.
وبه إلى سليمان بن الاشعث، نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله (ص) أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لففته بردائه فجئت به رسول الله (ص) فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله (ص): اقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله (ص): هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ فقرأت، فقال: هكذا نزلت، ثم قال (ص): إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه.
قال أبو محمد: فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئا أخبر رسول الله (ص) أن أمته لا تطيق ذلك، أتى عثمان فحمل الناس عليه فأطاقوه، ومن أجاز هذا فقد كذب رسول الله (ص) في قوله لله تعالى: إن أمته لا تطيق على ذلك ولم ينكر الله تعالى عليه ذلك، ولا جبريل عليه السلام وقال هؤلاء المجرمون إنهم يطيقون ذلك، وقد أطاقوه فيا لله ويا للمسلمين أليس هذا اعتراضا مجردا على الله عز وجل مع التكذيب لرسوله (ص)؟ فهل الكفر إلا هذا؟ نعوذ بالله العظيم أن يمر بأوهامنا فكيف أن نعتقده.
وأيضا فإن الله تعالى آتانا تلك الاحرف فضيلة لنا، فيقول من لا يحصل ما يقول: إن تلك الفضيلة بطلت فالبلية إذا قد نزلت، حاشا لله من هذا.))
¥