ثم يخلص الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - إلى أمرين, الأول: أن دعاء القارئ لختم القرآن خارج الصلاة, وحضور الدعاء في ذلك أمر مأثور من عمل السلف الصالح من صدر هذه الأمة. كما تقدم من فعل أنس - رضي الله عنه - وقفاه جماعة من التابعين, والإمام أحمد في رواية: حرب وأبي الحارث ويوسف بن موسى - رحمهم الله - أجمعين, ولأنه من جنس الدعاء المشروع.
وتقدم قول ابن القيم - رحمه الله -: (وهو من آكد مواطن الدعاء ومواطن الإجابة).
الثاني: أن دعاء ختم القرآن في الصلاة من إمام أو منفرد, قبل الركوع أو بعده, في التراويح أو غيرها: لا يعرف ورود شيء فيه أصلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته مسنداً.
يتبين مما سبق من أقوال الأئمة والعلماء - رحمهم الله تعالى - أن مشروعية دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح, أي: في صلاة الوتر أمر فيه سعة, ينبغي عدم التشديد فيه. إلا أن الإشكال هو ما يحدث منذ سنوات عديدة في الحرمين - المكي والمدني - وهو دعاء ختم القرآن في شفع, أي: في صلاة ثنائية من التراويح وليس في صلاة الوتر. حيث لا أصل للدعاء في صلاة ثنائية ولا يوجد نص يفيد مشروعية دعاء ختم القرآن في هذا الموضع, لأن الوتر هو مكان الدعاء كما هو ثابت في الشرع. فالعبادات مبناها على النص والتوقيف, وهذه قاعدة فقهية عظيمة.
يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - في فتاوى أركان الإسلام (355): (ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل, وجعلها مكان القنوت من الوتر, وقنت لم يكن في هذا بأس, لأن القنوت مشروع). ويؤيد ذلك, ما ذهب إليه الشيخ سلمان بن فهد العودة, في كتابه - دروس رمضان وقفات للصائمين - (41 - 42): (هذا الدعاء الذي يقال عند ختم القرآن إن كان في صلاة فينبغي أن يكون في صلاة الوتر, سواء في التراويح أو في القيام, وذلك لأن الوتر هو الموضع الذي ثبت شرعا أنه مكان الدعاء, فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقنت في وتره, وعلم الحسن كما في سنن الترمذي - بسند حسن - أن يقول في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت, وقني شر ما قضيت, فإنك تقضي ولا يقضى عليك, وإنه لا يذل من واليت, تباركت ربنا وتعاليت). فالسنة أن يكون الدعاء في الوتر إذن, وسواء كان ذلك قبل الركوع أو بعده, فكلاهما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-, وإن كان أكثر دعائه بعد الركوع).
بكل عزم في الطلب, ورجاء في الاستجابة, أكتب ما تقدم إلى معالي الشيخ: صالح بن عبد الرحمن الحصين - الرئيس العام لشؤون مسجد الحرام والمسجد النبوي - فهو نموذج العالم بما أفاء الله عليه من علم غزير, وبصيرة نافذة, وتأصيل معرفي. وهو جامعة مستقلة, وقامة شرعية وفكرية. إذا عد أناس من أهل العلم والفضل والزهد والتقوى في العالم الإسلامي على الأصابع, عد الشيخ في مقدمهم. أن يعاد النظر في موضوع دعاء ختم القرآن في صلاة ثنائية, وأن تؤصل المسألة تأصيلا شرعيا, وحتى لا يحتج أحد علينا بقوله: في الوقت الذي تحاربون فيه البدع, تبتدعون ما لم يأت به الدين. فما المانع يا معالي الشيخ, أن يقرأ في كل ليلة جزء كامل من القرآن, فإذا كانت ليلة التاسع والعشرين, يُقرأ في القيام الأول الجزء التاسع والعشرون, وفي القيام الثاني من الليلة نفسها يقرأ الجزء الثلاثون, وبعدها يقرأ الدعاء في صلاة الوتر, لأن الوتر هو مكان الدعاء كما سبق؟.
بقي أن أشير إلى أنه ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم, ولا حتى عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-, ولا عن الأئمة المشهورين. أما ما ينسب في هذا الباب من دعاء ختم القرآن, والموجود في آخر كثير من المصاحف منسوبا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لا يصح ولا أصل له, بل إن الشيخ عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله - لم ينسب هذا الدعاء إلى فتاويه, لعدم صحته.
drsasq@gmail.com
ــــــــــــــــ
المصدر: صحيفة الجزيرة
الاربعاء 02 شوال 1429 العدد 13152
http://www.al-jazirah.com.sa/2491446/rj8d.htm
ـ[أوان الشد]ــــــــ[12 - Oct-2008, صباحاً 06:15]ـ
تعقيب ومناقشة أدعو الأخوة للنظر فيه وإبداء الرأي حوله:
¥