وروى ابن القاسم، عن مالك، انه سئل عن الالحان في الصلاة، فقال: لا تُعجبني، وقال: انما هو غناءٌ يتغنَّون به، لياخذوا عليه الدراهم، وممن رُويت عنه الكراهةُ، انس بن مالك، وسعيد بن المسيِّب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد، والحسن، وابن سيرين، وابراهيم النخعي. وقال عبد اللّه بن يزيد العكبري: سمعت رجلاً يسال احمد، ما تقولُ في القراءة بالالحان؟ فقال ما اسمك؟ قال محمد: قال: ايسرك ان يقال لك: يا موحمد ممدوداً، قال القاضي ابو يعلى: هذه مبالغة في الكراهة. وقال الحسن بنُ عبد العزيز الجَرَوي: اوصى اليَّ رجل بوصية، وكان فيما خلَّف جارية تقرا بالالحان، وكانت اكثَر تَرِكته او عامتها، فسالتُ احمد بن حنبل والحارث بن مسكين، وابا عُبيد، كيف ابيعُها؟ فقالوا: بعها ساذجةً، فاخبرتُهم بما في بيعها من النقصان، فقالوا: بعها ساذَجة، قال القاضي: وانما قالوا ذلك، لان سماع ذلك منها مكروه، فلا يجوز ان يُعاوض عليه كالغناء.

قال ابن بطَّال: وقالت طائفة: التغنِّي بالقران، هو تحسينُ الصوت به، والترجعُ بقراءته، قال: والتغني بما شاء مِن الاصوات واللحون هو قول ابن المبارك، والنضرِ بن شُميل، قال: وممن اجاز الالحان في القران: ذكر الطبري، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، انه كان يقول لابي موسى: ذكِّرنا ربَّنا، فيقرا ابو موسى ويتلاحن، وقال: من استطاع ان يتغنى بالقران غِناء ابي موسى، فليفعل، وكان عقبة بن عامر من احسن الناس صوتاً بالقراَن، فقال له عمر: اعرض عليَّ سورة كذا، فعَرض عليه، فبكى عمر، وقال: ما كنتُ اظن انها نزلت، قال: واجازه ابن عباس، وابن مسعود، وروي عن عطاء بن ابي رباح، قال: وكان عبد الرحمن بن الاسود بن يزيد، يتتبَع الصوتَ الحسن في المساجد في شهر رمضان. وذكر الطحاوي عن ابي حنيفة واصحابه: انهم كانوا يستمعون القران بالالحان. وقال محمد بن عبد الحكم: رايت ابي والشافعي ويوسف بن عمر يستمعون القران بالالحان، وهذا اختيارُ ابن جرير الطبرى.

قال المجوِّزون - واللفظ لابن جرير-: الدليلُ: على ان معنى الحديث تحسينُ الصوت، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامعَ قراءته، كما ان الغناء بالشعر هو الغناءُ المعقولُ الذي يُطرب سامعه -: ما روى سفيان، عن الزهري، عن ابي سلمة، عن ابي هريرة، ان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَا اذنَ اللَّهُ لشيء مَا اذنَ لنبيٍّ حسن التَّرنُّم بالقُرْان) ومعقول عند ذوي الحِجا، انَ الترنُّم لاَ يكًون الا بالَصوت اذا حسَّنه المترنم وطرَّب به. وروي في هذا الحديث (ما اذِنَ اللّه لشيء ما اذن لنبي حسنِ الصوت يتغنى بالقراَن يجهرُ به). قال الطبري: وهذا الحديث من ابين البيان ان ذلك كما قلنا، قال: ولو كان كما قال ابنُ عيينة، يعني: يستغني به عن غيره، لم يكن لذكر حُسن الصوت والجهر به معنى، والمعروف في كلام العرب ان التغني انما هو الغناء الذي هو حسنُ الصوت بالترجيع، قال الشاعر:

تَغَنَ بِالشِّعْرِ امَّا كُنْتَ قَائِلَه ** انَّ الغِنَاءَ لِهَذا الشِّعرِ مِضْمَارُ

قال: واما ادعاء الزاعم، ان تغنّيتَ بمعنى استغنيت فاشٍ في كلام العرب، فلم نعلم احداً قال به من اهل العلم بكلام العرب. واما احتجاجُه لتصحيح قوله بقولِ الاعشى:

وكُنْتُ امْرَءاً زَمَناً بالعِرَاق ** عَفِيفَ المُنَاخِ طويلَ التَّغَنْ

وزعم انه اراد بقوله: طويل التغني: طويل الاستغناء، فانه غلط منه، وانما عنى الاعشى بالتغني في هذا الموضع: الاِقامة من قول العرب: غني فلان بمكان كذا اذا اقام به، ومنه قوله تعالى: {كاَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الاعراف: 92] واستشهاده بقول الاخر:

كِلاَنا غَنِيُّ عَنْ اخِيهِ حَيَاتَهُ وَنَحْنُ اذا مِتْنا اَشَدُ تَغَانِيا

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015