وقال الذهبي: "القراء المُجوّدة فيهم تنطع وتحرير زائد، يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة حتى ذُكر أنهم ينظرون إلى حفاظ كتاب الله بعين المقت."

وقال الحافظ: "ما كان طبيعة وسجية كان محموداً، وما كان تكلفاً وتصنعاً فهو مذموم، وهو الذي كرهه السلف وعابوه، ومن تأمل أحوالهم علم أنهم بريئون من التصنع، والقراءة بالألحان المخترعة، بخلاف التحسين الطبيعي فقد ندب إليه صلى الله عليه وسلم" (انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع فقد جمع كثيراً من هذه النقول،2/ 208).

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر السنية 13/ 414: "وأما في باب فهم القرآن فهذا دائم التفكر في معانيه والتدبر لألفاظه، واستغنائه بمعاني القرآن وحكمه، عن غيره من كلام الناس؛ وإذا سمع شيئاً من كلام الناس، وعلومهم عرضه على القرآن، فإن شهد له بالتزكية والعدالة قبله، وإلا رده؛ وإن لم يشهد له بقبول ولا رد وقفه. وهمته عاكفة على مراد ربه من كلامه، ولا يجعل همته وقصده في تحصيل ما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن بالوسوسة في خروج الحروف، وترقيقها وتفخيمها وإمالتها، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك; فإن هذا حائل للقلوب، وقاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ {أءنذرتهم} ووجوهها، وضم الميم من {عليهم}، ووصلها بالوصل، وكسر الهاء وضمها ونحو ذلك، من شغل الزمان بتنقية النطق وصفاته، معرضاً عن المقصود، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت، وكذلك تتبع أوجه الإعراب، واستخراج التأويلات المستكرهة، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان، وكذلك صرف الذهن إلى حكاية أقوال الناس، ونتائج أفكارهم.

وكذلك تنزيل القرآن على قول من قلده في دينه أو مذهبه، فهو يتعسف بكل طريق، حتى يجعل القرآن تبعا لمذهبهم، وتقوية لقول إمامه، وكل محجوبون بما لديهم عن فهم مراد الله من كلامه، في كثير من ذلك أو أكثره".

قلتُ:

الشيخ رحمه الله لم يعرف في ترجمته اشتغاله بالتجويد والقراءات وإن كان حفظ القرآن صغيراً , ويعتذر له بما اعتذر به لعمر والشافعي وابن حنبل رحم الله الجميع , وإلا فالتفخيم والترقيق والتوسط والقصر والطول أوجه أداء شرعيةٌ لا يجوز تركها اعتماداً على كلام الشيخ رحمه الله.

وإن كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام "فضائل القرآن" من أهم الكتب التي يجب أن يتدارسها أهل القرآن حتى يعرفوا فضائل القرآن وآداب قراءته ومعالمه وسننه، وحتى يعرفوا معنى كلام حذيفة بن اليمان (وروي مرفوعا) قال " اقرَءوا القُرآنَ بِلُحونِ العَرَبِ وَأصواتِها، وإيَّاكُم وَلُحُونَ أهلِ الكِتابِ، وَأهلِ الفِسقِ، فإنَّهُ سَيجيءُ مِنْ بَعدِي قَومٌ يُرجِّعوُنَ بِالقرآنِ تَرجِيعَ الرَّهبانِيةِ، وَالنَّوْحِ وَالغِناءِ، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُم، مَفتونَةٌ قُلوبُهُم، وَقُلُوبُ الذينَ يُعجِبُهُمْ شَأنُهُمْ "، وحتى يسلكوا سبيل السلف الصالح ويقتصوا آثارهم فإن الفلاح كله في ذلك، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[10 - Sep-2008, صباحاً 01:10]ـ

جزاكم الله خيرا شيخنا أبا زيد على ذبكم عن هذا العلم الجليل المنقول بالتواتر القطعي الذي لا يحتمل أدنى (تفكير) في الشك.

ـ القرآن الكريم كلام الله سبحانه، وجبريل الأمين سمع القرآن من الله جل وعلا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن عن جبريل عليه السلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا تستمر سلسلة الإسناد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ـ إن القرآن العظيم جمع معاني الإعجاز كلها ومن أبرز تلك المعاني طريقة أدائه، كيف يريد بعض الناس شعر أو لم يشعر أن يميت هذا المعنى.

ـ إذا كان بعض الناس يرى أن التجويد تكلف ما أنزل الله به من سلطان، أو بدعة، أو نحو ذلك، فليستعذ بالله من الشيطان، وليقرأ: (ورتل القرآن ترتيلا) مامعنى هذا الكلام العربي المبين، والله لو تأملنا هذا الدليل لكفانا حجة.

ـ من أخطأ في تطبيق التجويد هو الملوم، وهو المتكلف.

ـ من الطبيعي أن يعتري الإنسان في بداية تعلمه للتجويد شيء من التكلف، ومع رياضة اللسان يصبح الأمر سجية.

ـ الإمام الذهبي رحمه الله جمع القراءات العشر في صباه، وكان أول أمره كلفا بهذا العلم الجليل الذي لا يولج إليه إلا من باب التجويد، وهو تحدث عن المجودين المبالغين، وهو كلام رجل عرف العلم حقا، وتكلم عن علم، وقد تكلم أيضا في زغل العلم عن أهل الفنون الأخرى بأشد من كلامه على القراء، فلماذا لم نسمع أحدا يتكلم عن مبالغات أهل الحديث أو الفقه أو النحو، لماذا يركز دائما على التجويد؟؟!

هداني الله وإياكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015