وبعض المحدثين يطلق على الحديث الحسن وصف الثبوت فيقولون ثبت كذا وهو حديث حسن كما يوجد في اصطلاح ابن المنذر كثيرا وكذا الدارقطني يقول حديث حسن ثابت مع أنه عند التدقيق الحديث الحسن لا ينطبق عليه وصف ثابت ولذا نجد أكثر أهل العلم يصفون به الحديث الصحيح فقط.

ومن أهل الحديث من أدرج الحسن في الصحيح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم ويكون مرادهم بالحسن الحسن لذاته إذا روي من طرق وهو الصحيح لغيره.

وكون الحسن لذاته يندرج في الصحيح بالطرق هو رأي ابن الصلاح والنووي والعراقي وابن حجر والزركشي وغيرهم، ونازع في هذا ابن جماعة وقال: فيه نظر؛ لأن حد الصحة المتقدم لا يشمله فكيف يسمى صحيحا.

بل إن بعضهم جعل الحسن لغيره يرتقي لمرتبة الصحة بالطرق وهو رأي البقاعي وابن كثير والعلائي ومنع ذلك ابن حجر واشترط أن يكون الحسن لذاته يتقوى بما هو أقوى منه أو مساويا له حتى يندرج تحت الصحة.

قال ابن دقيق العيد: (وأما ما قيل من أن الحسن يحتج به ففيه إشكال وذلك أن هاهنا أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت في الراوي فأما أن يكون هذا المسمى ببالحسن مما قد وجدت فيه هذه الصفات على اقل الدرجات التي يجب معها القبول أو لا فإن وجدت فذلك حديث صحيح وإن لم توجد فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسناً، اللهم إلا أن يردَّ هذا إلى امر اصطلاحي وهو ان يقال: إن الصفات التي يجب قبول الرواية معها لها مراتب ودرجات فأعلاها هي التي يسمى الحديث الذي اشتمل رواته عليها صحيحاً وكذلك أوساطها أيضا مثلاً وأدناها هو الذي نسميه حسناً، وحينئذ يرجع المر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحاً في الحقيقة والأمر في الاصطلاح قريب لكن من أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سماه أهل الحديث حسنا وتحقق وجود الصفات التي يجب معها قبول الرواية في تلك الأحاديث) الاقتراح (ص 230 - 232)

والحديث الحسن ليس متفقا على الاحتجاج به بل ذكر السخاوي وغيره عن أبي حاتم الرازي عدم احتجاجه بالحسن.

فنحن عندما نريد الحكم على الحسن بالصحة ننظر إلى أمور:

1 - أن الحسن قسمان حسن لذاته وحسن لغيره وسبق من منع في كل منهما الوصف بالصحة.

2 - أن الحسن لم يحصل الاتفاق على الاحتجاج به.

3 - الفرق بين الاصطلاح الخاص أو التعريف وبين التجوز أو الاطلاق العام.

4 - أن هناك من يدرج ما كان فيه ضعف قريب محتمل ضمن الحسن كابن الجوزي.

وإذا علم ان الحسن من ادق مباحث علوم الحديث وأنه حصل فيه اضطراب واختلاف كثير بين الأئمة حتى قال ابن دقيق العيد: وفي تحقيق معناه اضطراب.

وقال البلقيني: (فائدة وزيادة: نوع الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر كأن شيئا ينقدح في نفس الحافظ قد تقصر عبارته عنه كما قيل في الاستحسان فلذلك صعب تعريفه) محاسن الاصطلاح (ص 105)

إذا علم هذا الاضطراب الذي يرجع إلى أمور: (حال الرواة، أقسام الحسن، تعريف الحسن، الاحتجاج بالحسن) نعلم حينها ان وضع ضابط مطرد سالم من الاعتراض أمر عزيز والله الموفق

ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[24 - صلى الله عليه وسلمug-2007, مساء 03:45]ـ

شيخنا الكريم: جزاك الله خيرا على هذه الفوائد، وأما الصحة فليست من أنواع القبول وإنما بلوغها شرط لجعل الحديث من المقبول، هذا هو الأدق، ولو قلت: الصحيح - لا الصحة - من أنواع المقبول لكان أضبط. بدليل أنا نستطيع أن نقول: كل صحيح مقبول وليس كل مقبول صحيح، والحسن من المقبول مع أنه ليس في درجة الصحيح، ولذلك كان داخلاً في المقبول "لبلوغه" درجة الصحة، والذهبي ينفي بلوغه هذه الدرجة، وما المانع أن يكون في عبارة الذهبي بعض التسمح؟ والاستدراك يسير وأنا موقن بأن الذهبي أكبر من أن يجهل هذا ولكن الكمال عزيز، ولا ترتاح نفسي لأن اعتبر تنبيهاً صغيراً كهذا استدراكاً على عالم كالذهبي.

ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[25 - صلى الله عليه وسلمug-2007, صباحاً 12:55]ـ

الشيخ عبد الله بارك الله فيك

لا أدري ما وجه التفريق بين الصحة والصحيح فكلاهما يجوز أن يراد به المقبول تجوزاً فيدخل الحسن ويراد بهما فقط (الحديث الذي رواه العدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة) عند التدقيق والتعريف فلا يدخل عندها الحديث الحسن.

ولو سألتك أخي الكريم ما حد الصحة فهل ستقول حدها الحديث المقبول المحتج به؟ هذا التعريف غير مانع فهو غير دقيق.

ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[25 - صلى الله عليه وسلمug-2007, صباحاً 01:49]ـ

أحسن الله إليك.

لو خلّصنا أطراف النقاش، وعدنا لموضوعي الأول، فهل هناك من جواب محدد للسؤال التالي: هل بلغ "الحسن" درجة الصحة أم لا؟

عندما تفرغ - فضلاً لا أمراً - من الإجابة عليه، أقول: الفرق قائم بين الصحة والصحيح، فالأول مصدر والثاني اسم، لقب لنوع، والأول أشمل من الثاني فهو مشتمل عليه ولا يجعل الأشمل كبعض أفراده وأنواعه من كل وجه، ولذلك: الصحة شرط، لا يقال هذا حديث صحيح لأنه مقبول، بل يقال مقبول لأنه صحيح، أي بلغ درجة الصحة بل أعلاها، والحسن كذلك مقبول لأنه بلغ درجة الصحة، ولو أدناها، والمشكل هو في نفي الذهبي لبلوغه درجة الصحة. ولو افترضنا أن الصحيح في كلام الذهبي - وسياق كلامي تحديداً عن "كلام الذهبي في الموقظة" لا خلاف العلماء وكلامهم في المسألة عموماً - كالصحة، لا مشاحة، لتولد إشكال جديد في كلام الذهبي، وهو أنه مرة أدخل الحسن في الصحيح (أو الصحة) ومرة أخرجه منه (أو منها) فمرة قال: (( ... فأقول: الحسن ما ارتقى عن درجة الضعيف، ولم يبلغ درجة الصحة)). [الموقظة: ص26]. ثم قال، ص27: ((وإن شئت قلت: الحسن ما سلم من ضعف الرواة، فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح)). ولكن لما أخرجه من الأول - الصحة - وهو محل الإشكال، وأدخله في الثاني، دل ذلك على أنه هو بنفسه يفرق بينهما، فالأول أعم والثاني أخص وهو النوع الذي "اصطلح" العلماء المتأخرون على تسميته "صحيحاً"، فكيف يقال: هو من قسم الصحيح ولكنه لم يبلغ درجة الصحة أصلاً ... هكذا بإطلاق؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015