(و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون) إنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله و توحيده و عبادته و هم سالمون معافون في أبدانهم لا علّة فيهم , فيستكبرون عن ذلك و يأبون.
يتبع ...
ـ[عبدالحي]ــــــــ[07 - Jun-2009, مساء 03:22]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة القلم
(فذرني و من يكذب بهذا الحديث) يقول الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه و سلم: دعني و المكذبين بالقرآن العظيم , و كِلْهُمْ إليّ فإني أكفيكهم. و هذا من بليغ الكناية , كأنه يقول: حسبك انتقاما منهم , أن تكل أمرهم إليّ , و تخلّي بيني و بينهم , فإني عالم بما يجب أن يُفعل بهم , قادر على ذلك.
(سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) أي: سنكيدهم بالإمهال و إدامة الصحة , و زيادة النعم , من حيث لا يعلمون أنه استدراج , و سبب لهلاكهم , بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة , قال تعالى: " أيحسبون أنّما نمدُّهم به من مال و بنين , نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " , و قال: " فلمّا نسُوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مُّبلسون ".
(و أُملي لهم إنّ كيدي متين) أي: أمهلهم و أُنسىءُ في آجالهم مدة من الزمان , و ذلك من كيدي و مكري بهم , إن كيدي عظيم لمن خالف أمري , و كذب رسلي , و اجترأ على معصيتي. و في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: " إن الله ليُملي للظالم , حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ ". ثم قرأ: " و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد ".
قال الزمخشري: الصحة و الرزق و المدّ في العمر , إحسان من الله و إفضال , يوجب عليهم الشكر و الطاعة , و لكنهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم. فلما تدرجوا به إلى الهلاك , وصف النعم بالإستدراج. و قيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه , و كم من مفتون بالثناء عليه , و كم من مغرور بالستر عليه.
و سمى إحسانه و تمكينه " كيدا " , كما سماه استدراجا , لكونه في صورة الكيد , حيث كان سببا للتورط في الهلكة. و وصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.
(أم تسألهم أجرا فهم من مّغرم مُّثقلون) أي: لم تطلب منهم على الهداية و التعليم مالا , فيثقل عليهم دفعه حتى يثبطهم عن الإيمان , بل إنك تعلمهم و تدعوهم إلى الله , لمحض مصلحتهم راجيا في ذلك ثوابا من عند الله عز و جل. و هم ما كذبوك إلا بمجرد الجهل و الكفر و العناد.
(أم عندهم الغيب فهم يكتبون) أي: ما كان عندهم من الغيوب ما يحكمون به , فيجادلونك بما فيه , و يزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به , و أنهم مستغنون عن وحيه و تنزيله. فهذا أمر ما كان , و إنما كانت حالهم حال معاند ظالم , فلم يبق إلا الصبر لأذاهم , و التحمل لما يصدر منهم , و الإستمرار على دعوتهم , و لهذا قال: " فاصبر لحكم ربك ".
(فاصبر لحكم ربك) فاصبر يا محمد على أذى قومك لك و تكذيبهم , و اصبر على إمهالهم , و تأخير ظهورك عليهم. و لا يثنيك – هذا و ذاك – عن تبليغ ما أمرت به , بل إمض صابرا عليه , فإن الله سيحكم لك عليه , و يجعل العاقبة لك و لأتباعك في الدنيا و الآخرة.
(و لا تكن كصاحب الحوت إذ نادى و هو مكظوم) أي: لا يُوجد منك يا محمد مثل ما وُجد من رسولنا يونس بن متى عليه السلام من الضجر و الونى عن التبليغ , فتبتلى ببلائه , حيث إنه لم يصبر على قومه الصبر المطلوب منه , فذهب مغاضبا لربه , حتى ركب في البحر , فالتقمه الحوت الذي شرد به في البحار و ظلمات و غمرات اليم , و سماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير , الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير , فحينئذ نادى في الظلمات و هو مغموم مهموم " أنّ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
(لولا أن تداركه نعمة من ربّه ,لنُبذ بالعراء و هو مذموم) أي: لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة و وفقه لها , لطرح في العراء – و هي الأرض الخالية – و هو مذموم. لكن لما تاب الله عليه طُرح على ساحل البحر و هو محمود , و صارت حاله أحسن من حاله الأولى و لهذا قال " فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ".
(فاجتباه ربه) أي: اختاره و اصطفاه و نقاه من كل كدر , و هذا الإجتباء الثاني , لأن الإجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوى و غاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب , و بعد العقاب و العتاب اجتباه مرة أخرى و أرسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الإنقطاع , قال تعالى: " فنبذناه بالعراء و هو سقيم و أنبتنا عليه شجرة من يقطين و أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين ".
(فجعله من الصالحين) أي: الكاملي الصلاح من الأنبياء و المرسلين.
فامتثل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أمر ربه , فصبر لحكم ربه صبرا لا يدركه فيه أحد من العالمين.
(و إن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) و إن يكاد الذين كفروا أن يصيبوك بأعينهم , من حسدهم و غيضهم و حنقهم و بغضهم إياك , لولا وقاية الله لك , و حمايته إياك منهم.
و في هذه الآية دليل على أن العين إصابتها و تأثيرها حق , بأمر الله عز و جل. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في صحيح مسلم: " العين حق , و لو كان شيء سابق القدر سبقت العين ".
(لمّا سمعوا الذكر) أي: القرآن تقرأه عليهم.
(و يقولون إنّه لمجنون) لعدم تمالك أنفسهم من الحسد , و من أجل صرف الناس عنك , و تنفيرهم عن الهدى الذي جئت به.
(و ما هو إلا ذكر للعالمين) و ما هذا القرآن الكريم و الذكر الحكيم , إلا عظة و حكمة و تذكير للإنس و الجن , يتذكرون به مصالح دينهم و دنياهم.
¥