(أن كان ذا مال و بنين , إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) أي: لأجل كثرة ماله و ولده , طغى و استكبر عن الحق , حتى حمله ذلك على التكذيب بآيات الله , فإذا تليت عليه و سمعها قال: أساطير الأولين , ردًّا لها و وصفها بأنها أكذوبة مسطرة و مكتوبة من أساطير الأمم الماضية.

(سنسمه على الخرطوم) أي: نجعل له علامة شر و قبح يُعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جُدع أنفه أو وُسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.

يتبع ...

ـ[عبدالحي]ــــــــ[08 - صلى الله عليه وسلمpr-2009, مساء 01:13]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تتمة تفسير سورة القلم

(إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة إذ أقسموا ليصرمُنَّها مصبحين) إنّا امتحنا كفار مكة بالمال و الولد و الجاه و السيادة , فلم يشكروا نعم الله عليهم بل كفروا بها بتكذيبهم رسولنا و إنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط و القتل لعلهم يتوبون , كما امتحنا أصحاب الجنة – و هي البستان المشتمل على أنواع الثمار و الفواكه – إذ حلفوا فيما بينهم – حين زهت ثمار تلك الجنة و أينعت , و آن وقت قطافها , و جزموا أنها في أيديهم و طوع أمرهم , و أنه ليس ثَمّ مانع يمنعهم منها – ليقطعن و يقطفن ثمارها في الصباح الباكر قبل أن يعلم بهم فقير أو سائل , حتى لا يعطوه شيئا , و بالتالي يتوفر ثمرها عليهم و لا يتصدقوا منه بشيء.

(و لا يستثنون) أي: لم يستثنوا في حلفهم , لم يقولوا " إلا أن يشاء الله ".

(فطاف عليها طائف من ربّك) أي: أصابتها آفة سماوية , فأفسدت الثمار و الزرع , و هذا كله كان بأمر من الله تعالى جزاءا وفاقا.

(و هم نائمون) أي: مستغرقون في سباتهم , غافلون عما يمكر بهم.

(فأصبحت كالصريم) قال ابن عباس: أي كالليل الأسود. و قال الثوري و السدي: مثل الزرع إذا حُصد , أي: هشيما يبسا.

(فتنادوا مصبحين) لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضا ليذهبوا إلى القطاف , و هم لا يعلمون بما جرى لبستانهم في الليل.

(أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين) أي: اخرجوا غدوة متجهين إلى بستانكم , إن كنتم فعلا جادين في قطع ثمارها هذا الصباح.

(فانطلقوا و هم يتخافتون) فذهبوا للقطاف و هم يتناجون فيما بينهم بصوت خافت , حتى لا يفطن لهم فقراء البلد و مساكينها.

(أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين) أي: يقول بعضهم لبعض: لا تمكنوا اليوم فقيرا يدخلها عليكم.

(و غدو على حرد قادرين) أي: غدوا - في هذه الحالة الشنيعة , و القسوة , و عدم الرحمة - متجهين إلى جنتهم , على نشاط و سرعة و جدّ من أمرهم , و هم عازمين جازمين بقدرتهم على القطاف و على منع المساكين من الدخول عليهم , بل إنهم سوف يقطعون الثمار و يحملونها إلى مخازنهم و لا يشعر بهم أحد من الفقراء و المساكين.

(فلما رأوها قالوا إنّا لضالّون , بل نحن محرومون) فلما وصلوا إلى جنتهم و أشرفوا عليها و جدوها محترقة سوداء مظلمة , لا ينتفع بشيء منها , فاعتقدوا أنهم قد أخطؤوا الطريق , و لهذا قالوا – من الحيرة و الإنزعاج – إنّا قد سلكنا إليها غير الطريق فتُهنا عنها , و أن هذه الجنة المحترقة ليست بجنتنا. ثم لمّا تحققوها , و تيقنوا أنها هي , رجعت إليهم عقولهم و رجعوا عما كانوا فيه , و علموا أنهم حُرموا منها , بسبب عزمهم على منع المساكين منها.

(قال أوسطهم) أي: أعدلهم و خيرهم رأيا.

(ألم أقل لكم لولا تسبحون) أي: ألم يسبق لي أن قلت لكم لما عزمتم على منع حق المساكين و لم تستثنوا , فقلت لكم هلا تستثنون؟ فتنزهون الله عما لا يليق به , و من ذلك , ظنكم أن قدرتكم مستقلة , فلولا استثنيتم فقلتم " إن شاء الله " , و جعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئة الله , لما جرى عليكم ما جرى.

(قالوا سبحان ربّنا إنّا كنّا ظالمين) أي: في ترك استثناء حق المساكين , و منع المعروف عنهم من تلك الجنة. فتابوا بهذا الإعتراف , لكن بعدما وقع العذاب على جنتهم , الذي لا يرفع , و لكن لهل تسبيحهم هذا , و إقرارهم على أنفسهم بالظلم , ينفعهم في تخفيف الإثم و يكون توبة , و لهذا ندموا ندامة عظيمة.

(فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) أي: يلوم بعضهم بعضا على خطئهم في عزمهم على حرمان المساكين , و على عدم الإستثناء في اليمين , فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الإعتراف بالخطيئة و الذنب (قالوا يا ويلنا إنّا كنّا طاغين) أي: اعتدينا و بغينا و طغينا و جاوزنا الحد – في حق الله و حق عباده – حتى أصابنا ما أصابنا.

(عسى ربنا أن يُبْدلنا خيرا منها إنّا إلى ربّنا راغبون) فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرا منها , و وعدوا أنهم سيرغبون إلى الله , و يلحون عليه في الدنيا , فإن كانوا كما قالوا , فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرا منها , لأن من دعا الله صادقا و رغب إليه و رجاه , أعطاه سُؤْله.

ذكر بعض السلف أن هؤلاء – أي أصحاب الجنة – قد كانوا من أهل اليمن , و قيل: كانوا من أهل الحبشة , و كان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة , و كانوا من أهل الكتاب. و قد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة , فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها و يدّخر لعياله قوت سنتهم , و يتصدق بالفاضل , فلما مات ورثه بنوه , قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء , و لو أنّا منعناهم لتوفر ذلك علينا , فلما عزموا على ذلك عُوقبوا بنقيض قصدهم , فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية , فلم يبق لهم شيء.

(كذلك العذاب) أي: هكذا عذاب من خالف أمر الله , و بخل بما آتاه الله و أنعم به عليه , و منع حق المساكين و الفقير و ذوي الحاجات , و بدل نعمة الله كفرا.

(و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) و لعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا , فإن عذاب الدنيا وقته محدود و أجله محدود , أما عذاب الآخرة فإنه أبديّ لا يحول و لا يزول. إذا فإن من علم ذلك , أوجب له الإنزجار عن كل سبب يوجب العذاب و يحل العقاب.

يتبع ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015