(فمال الذين كفروا قبلك مهطعين , عن اليمين و عن الشمال عزين) يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى الله عليه و سلم , منكرا عليهم فعلهم و إعراضهم فيقول: ما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مسرعين نافرين منك متفرقون عنك , شاردون يمينا و شمالا فرقا فرقا , و شيعا شيعا , كما قال تعالى: " فما لهم عن التّذكرة معرضين كأنّهم حمرة مستنفرة فرّت من قسورة ".

(أيطمع كلّ امرئ مّنهم أن يُدخل جنّة نعيم) بأي سبب يطمع هؤلاء الكفار في جنّة النعيم , و هم لم يقدموا سوى الكفر , و الجحود برب العالمين.

(كلاّ) لن يتحقق طمعهم , فليس الأمر بأمانيهم , و لن يدركوا ما يشتهون بقوتهم التي يتصورون , بل مأواهم نار الجحيم و لهم العذاب الأليم.

(إنّا خلقناهم مما يعلمون) أي: من المني الضعيف , كما قال: " ألم نخلقكم مّن مّاء مّهين " , و قال: " فلينظر الإنسان ممّ خلق , خُلق من مّاء دافق , يخرج من بين الصّلب و التّرائب ". فهم ضعفاء لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا , و لا موتا و لا حياة و لا نشورا. و تذكيرهم بهذا الأمر إزدراءً بهم و تهكم من حالهم إذ يجادلون و يعاندون و هم مخلقون من نطفة مذرة.

(فلا أقسم بربّ المشارق و المغارب إنّا لقادرون على أن نّبدّل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين) أقسم الله عز و جل بربوبيته للمشارق و المغارب على قدرته باستخلاف قوم خير منهم , فإن ذلك لا يعجزه تعالى لكمال قدرته و قوة استطاعته , كما قال تعالى: " و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " و قال تعالى: " ألم ترى أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأ يذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ". و قال: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله , و الله هو الغني الحميد , إن يشأ يذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ". كما قاله الشيخ عبد العظيم بدوي.

(فذرهم يخوضوا و يلعبوا) أي: يا محمد دعهم في تكذيبهم و كفرهم و عنادهم.

(حتّى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) فإن الله قد أعد لهم فيه من النكال و الوبال ما هو عاقبة خوضهم و لعبهم.

(يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنّهم إلى نُصُب يوفضون) أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك و تعالى , لموقف الحساب , مجيبين لدعوته مسرعين إليها , كأنّهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه , يبتدرون , أيهم يستلمه أولا.

(خاشعة أبصارهم) من الخزي و الهوان.

(ترهقهم ذِلّة) تغشاهم ذلّة من هول ما حاق بهم.

(ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) و هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه و هو يوم القيامة الذي أنكروه و كذبوا به. ها هو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم و ألوان العذاب.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[15 - Jan-2009, مساء 03:16]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة الحاقة

هي مكية و آياتها ثنتان و خمسون

(الحاقة) هي من أسماء يوم القيامة , لأن فيها يتحقّق الوعد و الوعيد.

(ما الحاقة) " ما " إسم إستفهام مستعمل في التهويل و التعظيم و المعنى: الحاقة أمر عظيم لا يدرك كنهه.

(و ما أدراك ما الحاقة) أي: تأكيدا لتفخيم شأنها , و عظيم أمرها , و جسيم هولها.

(كذّبت ثمود و عاد بالقارعة) كذّبت ثمود – و هم القبيلة المشهورة , سكان الحجر , الذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليه السلام – , و عاد - و هم سكان حضر موت , أرسل الله إليهم رسوله هود عليه السلام – بالساعة التي تقرع الناس بأهوالها و هجومها عليهم.

(فأمّا ثمود فأهلكوا بالطاغية) و هي الصيحة – و هي أشبه بصيحة النفخ في الصور – العظيمة الفظيعة , التي انصدعت منها قلوبهم , و زهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يُرى إلا مساكنهم و جثثهم.

(و أما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) أي: بريح شديدة العصوف و البرد , متجاوزة الحد المعروف في الهبوب و البرودة , لها صوت أبلغ من صوت الرعد القاصف.

(سخّرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام حسوما) أي: سلطها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام متتابعات بلا انقطاع , فدمّرتهم و أهلكتهم.

(فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية) فترى القوم في تلك الليالي و الأيام هلكى موتى ساقطين على الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء.

(فهل ترى لهم باقية) أي: هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم و لم و لم يجعل الله لهم خَلَفًا.

(و جاء فرعون و من قبله) من الأمم المكذبة , كقوم نوح و عاد و ثمود.

(و المُؤْتَفِكات) و هي قرى قوم لوط , التي قلبها الملَكُ فجعل عاليها سافلها.

(بالخاطئة) فالجميع – فرعون و نوح و عاد و قوم لوط ... – جاؤوا بالفِعلة الطاغية , و هي الكفر و التكذيب , و الظلم و المعاندة و ما انضمّ إلى ذلك من أنواع الفواحش و الفسوق.

(فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية) كل من هؤلاء كذّب الرسول الذي أرسله الله إليهم – و من كذّب رسول الله فقد كذّب بجميع الرسل , كما قال تعالى " كذّبت قوم نوح المرسلين ". " كذّبت عاد المرسلين ". " كذّبت ثمود المرسلين " – فأخذ الله الجميع أخذة عظيمة شديدة أليمة , زائدة على الحد و المقدار الذي يحصل به هلاكهم.

يتبع ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015