و تجوز بالماء الغدق , و هو الكثير , عما ذكر , لأنه أصل المعاش و سعة الرزق , و لعزة وجوده بين العرب. أو لأن غيره يعلم منه بالأولى.
(لنفتنهم فيه) أي: لنختبرهم و نمتحنهم في ذلك الخير الكثير , أيشكرون أو يكفرون؟ ثم إن شكروا زادهم , و إن كفروا سلبهم و عذبهم.
(و من يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابا صعدا) أي: من أعرض عن ذكر الله , الذي هو كتابه , فلم يتبعه و ينقذ له , بل غفل عنه و لهي , فإنه سوف يعذب عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما.
(و أنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) أي: إن المساجد التي هي أعظم محال العبادة لم تبنى إلا ليذكر فيها الله تعالى وحده , فلا يعبد فيها غيره , أو يشرك معه في العبادة , و لا يسأل فيها غيره أو يشرك معه في المسألة.
(و أنّه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) لما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلى ربّهم اجتمعت الإنس و الجن عليه ليطفئو دعوته , فأبى الله تعالى إلا أن ينصره و يُمضي دعوته و يظهره على من عاداه.
(قل إنما أدعوا ربي و لا أشرك به أحدا) أي: قال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم لما آذوه و خالفوه و كذبوه و تظاهروا عليه , ليبطلوا ما جاء به من الحق و اجتمعوا على عداوته , إنما أعبد ربي وحده لا شريك له , و أستجير به و أتوكل عليه.
(قل إنّي لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا) أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ , و عبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتكم و لا ضلالكم , بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز و جل , يضل من يشاء و يهدي من يشاء.
(قل إنّي لن يجيرني من الله أحد) أي: لو عصيت الله تعالى فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه.
(و لن أجد من دونه ملتحدا) و لن أجد من غيره ملتجأ ألتجأ إليه.
(إلاّ بلاغا من الله و رسالاته) أي: لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا إلا بلاغا من الله و رسالته , فإني أبلغكم عنه ما أمرني به و أرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى و الخير و الفوز.
(و من يعصي الله و رسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدا) و من يعصي الله بالشرك به , و برسوله بتكذيبه و عدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه و تكذيبه و جحده نار جهنم خالدين فيها أبدا , لا محيد لهم عنها , و لا خروج لهم منها.
(حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا و أقلّ عددا) حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن و الإنس ما يوعدون من عذاب يوم القيامة , فسيعلمون يومئذ أنه لا ناصر لهم بالكلية , و أنهم هم أقل عددا من جنود الله عز و جل.
(قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا) أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا و عنادا و تكذيبا , أن يقول لهم ما أدري أقريب ما و عدكم ربكم من العذاب حيث يحل بكم عاجلا أم يجعل له ربي غاية و أجلا بعيدا يعلمه هو و لا يعلمه غيره.
(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا , إلا من ارتضى من رسول) و هذه كقوله تعالى " و لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء ". فإن الله تعالى وحده يعلم الغيب و الشهادة , و إنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا من ارتضى من رسول فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به , و هذا يعم الرسول الملكي و البشري.
(فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا) أي: حرسا من الملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين و وساوسهم , حتى يبلغ ما أمر به من غيبه و وحيه.
(ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) ليعلم الرسول صلى الله عليه و سلم أن الرسل من قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى إنه إذا جاءه الوحي كان معه ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لا يسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من الإنس , فتكون فتنة في الناس.
(و أحاط بما لديهم) أي: و أحاط الله بما لدى الملائكة و الرسل علما.
(و أحصى كل شيء عددا) أي: و أحصى عدد كل شيء لسعة علمه سبحانه و تعالى , فلا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم.
ـ[عبدالحي]ــــــــ[01 - عز وجلec-2008, مساء 02:42]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة نوح
و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية
¥