(فوجدناها مُلئت حرسا شديدا و شُهبا) أي: وجدنا السماء حفظت من سائر أرجائها بملائكة أقوياء يحرسونها و شهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا.
(و أنا كنا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أي: كنا نقعد من السماء أماكن معينة لنسترق السمع و نتلقف من أخبار السماء ما شاء الله , أما الآن فمن يريد أن يفعل ذلك يجد له شهاب نار قد رصد له , لا يتخطاه و لا يتعداه , بل يمحقه و يهلكه.
و قد كانت الكواكب يُرمى بها قبل ذلك , و لكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان , كما في حديث ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في نفر من أصحابه إذ رُمي بنجم فاستنار , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهليَّة إذا رأيتموه؟ " قالوا: كنّا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " فإنَّه لا يُرمى به لموت أحد و لا لحياته و لكنّ ربَّنا عزَّ و جل إذا قضى أمرا سبَّح له حملة العرش ثمّ سبَّح أهل السّماء الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء , ثم سأل أهل السّماء السادسة أهل السماء السابعة: ماذا قال ربُّكم؟ قال: فيُخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السّماء الدنيا و تختطف الشياطين السمع فيُرمون فيقذفونه إل أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق , و لكنَّهم يُحرِّفونه و يزيدون " رواه الترمذي و صححه الألباني.
(و أنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربُّهم رشدا) الأمر الذي قد حدث في السماء , لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم خير؟ و هذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل , و الخير أضافوه إلى الله عز و جل , و قد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: " و الشر ليس إليك " لكن لما استمعوا إلى القرآن علموا أنه أريد بهم الخير و الصلاح , و ذلك ببعثة نبيّ كريم يرشد إلى الحق.
يتبع ...
ـ[عبدالحي]ــــــــ[30 - Oct-2008, صباحاً 11:09]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة الجن
(و أنّا منا الصالحون و منّا دون ذلك) أي منّا المسلمون العاملون بطاعة الله , و منّا فساق و فجار و كفار.
(كُنّا طرائق قداد) أي: طرائق متعددة مختلفة و آراء مختلفة , فكان منهم اليهودي و النصراني و المجوسي , و لما جاء الإسلام أصبح منهم المسلم و أصبح من المسلمين قدرية و مرجئة و خوارج و رافضة و شيعة , لأنهم تابعون للناس في معتقداتهم و أقوالهم و أعمالهم.
(و أنّا ظننّا أن لن نعجز الله في الأرض و لن نعجزه هربا) أي: نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا , و أن نواصينا بيده , فلن نعجزه في الأرض , و لن نعجزه إن هربنا و سعينا بأسباب الفرار و الخروج عن قدرته , لا ملجأ منه إلا إليه.
(و أنّا لما سمعنا الهدى آمنّا به) لما سمعنا القرآن الكريم الذي يهدي إلى الطريق المستقيم , و عرفنا هدايته و إرشاده , أثّر في قلوبنا فآمنّا به و صدّقنا بأنه حق من عند الله.
(فمن يؤمن بربّه , فلا يخاف بخسا و لا رهقا) فمن يؤمن بربّه إيمانا صادقا لا يخاف أن يُنقص من حسناته أو إثما يضاف إلى سيئاته و يعاقب به و هو لم يرتكبه في الدنيا , كما قال تعالى " فلا يخاف ظُلما و لا هضما ".
(و أنّا منّا المسلمون و منّا القاسطون) منّا المسلمون , و منّا الكافرون الجائرون عن طريق الحق.
(فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) فمن انقاد لله تعالى بطاعته و خلص من الشرك به , فقد أصابوا طريق الحق , الموصل لهم إلى الجنة و نعيمها.
(و أمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) أي: توقد بهم و تستعر عليهم و على الكافرين الجائرين أمثالهم من الإنس.
(و ألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا) و أن لو استقام المشركون على الإيمان و التوحيد و الطاعة لله و لرسوله , لوسعنا عليهم أرزاقهم , و كثرنا لهم أموالهم. قال تعالى " و لو أنهم أقاموا التّوراة و الإنجيل و ما أُنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم ". و قال " و لو أن أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء و الأرض ".
¥