ـ[عبدالحي]ــــــــ[25 - Oct-2008, مساء 06:39]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة الجنّ
و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية
قال المهايميّ: سميت بها لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان , و تقبيح الكفر , مع كون أقوالهم أشد تأثيرا في قلوب العامة , لتعظيمهم إياهم.
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: " ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجنّ و ما رآهم , انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ , و قد حيل بين الشيّاطين و بين خبر السّماء , و أُرسلت عليهم الشُّهب , فرجعت الشياطين إلى قومهم , فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا و بين خبر السّماء , و أُرسلت علينا الشهب , قالوا: ما ذاك إلاّ من شيء حدث , فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض و مغاربها , فمرّ النفر الذي أخذوا نحو تُِهامة , و هو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ , و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر , فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له , و قالوا: هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء , فرجعوا إلى قومهم , فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا , فأنزل الله عزّ وجل على نبيّه محمد صلى الله عليه و سلم (قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ) " رواه مسلم.
(قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ) أي: أعلن للناس يا رسولنا أن الله قد أوحى إليك خبرا مفاده أن عددا من الجن ما بين الثلاثة و العشرة قد استمعوا إلى قراءتك للقرآن الكريم.
(فقالوا إنّا سمعنا قرءانا عجبا) أي: لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم أنهم سمعوا كتابا جامعا للحائق الإلهية و الكونية و الأحكام و المواعظ , و جميع ما يحتاج إليه في أمر الدارين , و أن هذا الكتاب عباراته فصيحة غزيرة لا تناسبه عبارة الخلق , و لا تدخل تحت قدرتهم.
(يهدي إلى الرشد) يهدي إلى الحق و الصواب.
(فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا) و في هذا تعريض بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم إحدى عشر سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة و هم به كارهون له مصرون على الشرك , و الجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به و حملوا رسالته إلى قومهم.
(و أنّه تعالى جد ربنّا ما اتخذ صاحبة و لا ولدا) أي تعالى ملك ربنا و سلطانه و قدرته و عظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه , الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ زوجة , أو وقاع شيء يكون منه الولد. و إنما نسب إليه ذلك المفترون.
(و أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) و أنه كان يقول جاهلنا على الله قولا جائرا عن الصواب , متعديا للحد – و هو نسبة الصاحبة و الولد إليه – و ما حمله على ذلك إلا سفهه و ضعف عقله.
(و أنّا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا) و إنّا كنّا نظن أن الإنس و الجن لا يكذبون على الله و لا يقولون عليه إلا الصدق , و قد علمنا الآن أنهم يكذبون على الله و يقولون عليه ما لم يقله و ينسبون إليه ما هو منه براء.
(و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا) أنه كان رجال من الناس إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري , يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان , أن يصيبهم بشيء يسوؤهم , فلما رأت الجن أن الإنس يستعيذون بهم من خوفهم منهم , زادتهم ذعرا و تخويفا حتى تبقوا أشد منهم مخافة و أكثر تعوذا بهم.
قال مقاتل: أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله و تركوهم.
قالت خولة بنت حكيم: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: " من نزل منزلا , ثم قال: أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرّ ما خلق , لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم.
(و أنّهم ظنُّوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) قال ذلك النفر من الجن لقومهم إن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن أن لن يبعث الله رسولا إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده و ما فيه سعادتهم.
(و أنّا لمسنا السماء) أي تطلبنا بلوغ السماء و استماع كلام أهلها.
¥