ـ[عبدالحي]ــــــــ[20 - Oct-2008, مساء 10:10]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة المزمل
(إنّا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم) بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة.
(كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) و هو موسى بن عمران عليه السلام.
(فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا و بيلا) فلما كذّب فرعون موسى و طغى و استكبر أخذناه أخذا ثقيلا شديدا غليظا. لهذا احذروا – قريش خاصة و الناس عامة – أنتم أن تكذبوا هذا الرسول – و هو محمد صلى الله عليه و سلم – فيصيبكم ما أصاب فرعون , حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر , كما قال تعالى " فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى " , و أنتم أولى بالهلاك و الدمار إن كذبتم , لأن رسولكم أشرف و أعظم من موسى بن عمران.
(فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) أي: فكيف يحصل لكم الفكاك و النجاة من يوم القيامة , اليوم المهيل أمره , العظيم قدره , الذي يشيب الولدان , و تذوب له الجمادات العظام.
(السماء منفطر به) أي: منشقة بسبب أهوال يوم القيامة.
(كان وعده مفعولا) أي يوم القيامة واقعا لا محالة , و كائنا لا محيد عنه , لأن وعده تعالى متحقق و لابد.
(إن هذه تذكرة) إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة و أهوالها موعظة لمن اعتبر بها و اتّعظ.
(فمن شاء اتّخذ إلى ربه سبيلا) أي: طريقا موصلا إليه , و ذلك باتباع شرعه , فإنه قد أبانه كل البيان , و أوضحه غاية الإيضاح , و في هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم , و مكَّنهم منها , لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم , فإن هذا خلاف النقل و العقل.
(إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه و طائفة من الذين معك) يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو و طائفة من أصحابه و أنهم يقومون أحيانا أقل من ثلثي الليل و يقومون أحيانا النصف و الثلث.
(و الله يقدّر الّيل و النهار) أي يجعلهما على مقادير يجريان عليها , فتارة يعتدلان , و تارة يزيد أحدهما في الآخر , و بالعكس مما يشق لأجله المواظبة على قيامه بما علمه منكم.
(علم أن لن تحصوه) أي: لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو المطلوب.
(فتاب عليكم) أي: عاد عليكم باليسر و رفع الحجر , فنسخ قيام الليل الواجب , و بقي المستحب يؤدى و لو بركعتين في أي جزء من الليل و كونهما بعد صلاة العشاء أفضل.
(فاقرءوا ما تيسّر من القرآن) أي: صلوا من الليل ما تيسر. و عبر عن الصلاة بالقراءة , كما قال تعالى " و لا تجهر بصلاتك " أي بقراءتك.
(علم أن سيكون منكم مرضى و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله و آخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيّسر منه) أي: علم أن سيكون من هذه الأمة ذووا أعذار في ترك قيام الليل , من مرضى لا يستطيعون ذلك , و مسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب و المتاجر , و آخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله , فقوموا بما تيسر عليكم منه.
هذه الآية – بل السورة كلها – مكية و لم يكن القتال شُرع بعد , فهي من أكبر دلائل النبوة , لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلية.
(و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة) أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم , و آتوا الزكاة المفروضة. و هذا يدل لمن قال: إن فرض الزكاة نزل بمكة , لكن مقادير النّصب و المخرج لم تُبين إلا بالمدينة , و الله أعلم.
(و أقرضوا الله قرضا حسنا) أنفقوا في سبيل الله أموالكم طيبة بها نفوسكم فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء و أوفره , كما قال " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ". و يدخل في هذا الصدقة الواجبة و المستحبة , ثم حث على عموم الخير و أفعاله.
(و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا) و ما تقدموا لأنفسكم من سائر العبادات فرضها و نفلها , و سائر أفعال الخير تجدوه عن الله يوم القيامة هو خيرا و أعظم أجرا , فالحسنة بعشر أمثالها , إلى سبعمائة ضعف , إلى أضعاف كثيرة , و أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار , يقابله أضعاف أضعاف الدنيا , و ما عليها في دار النعيم المقيم , من اللذات و الشهوات , و أن الخير و البر في هذه الدنيا , مادة الخير و البر في دار القرار , و بذره و أصله و أساسه.
(و استغفروا الله إنّ الله غفور رحيم) أي سلوه غفران ذنوبكم فإنه غفور رحيم لمن استغفره و تاب إليه و أناب.
و في الأمر بالإستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة و الخير , فائدة كبيرة , و ذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به , إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص , فأمر بترقيع ذلك بالإستغفار , فإن العبد يذنب آناء الليل و النهار , فمتى لم يتغمده الله برحمته و مغفرته , فإنه هالك.
¥